وكان يقضي بالشاهد واليمين. قال يحيى بن بُكَيْر. وَكَانَ ضَرُوباً لمن يرى فِيهِ خللاً. واستكتب وَرْشاً المُقرئ المشهور، وخلف بن قادم وغيرهما.
وقال عبد الرحمن بن عبد الحكم: حدثني أبي قال: كتاب صاحب البريد واسمه يزيد بن عمرو الطائي إِلَى عبد الملك: إنَّك تُبَطِّئُ بالجلوس للناس، فقال لَهُ: إِذَا كَانَ أمير المؤمنين أمرك بشيء، وإلا ففي أُكُفِك وبراذعك ودَبَرَ دوابك مَا يُشغلك عن أمر العامة، ثُمَّ استعفى.
وذكر أبو عمر الكندي أن يزيد بن عمرو، كتب إِلَيْهِ فِي خصم يوصيه بِهِ، فكتبَ إِلَيْهِ: ما أنت والقضاء، عَلَيْكَ بِدَبَر دوابك وبراذعها وكنس زبولها. فكتب صاحب البريد إِلَى الرشيد يعيبه ويقول: إن الناس قد شَكَوا منه. فأتى كتاب الخليفة إِلَى داود ابن يزيد بن حاتم، وهو يومئذ أمير مصر يأمره أن يوقف الحزمي للناس. فأمر داود بِهِ فأقيم. فانطلقت الألسنة بالثناء عَلَيْهِ بالخير، وركب الليث بن سعد، وعاصم بن العلاء وابن لهيعة، إِلَى الأمير فأثنوا عَلَيْهِ. فقال الزمي لداود: قَدْ جاءني الفرج. وَفِي هَذِهِ الفرصة لتأتين العافية ولست تصل رحمي بمثل إعفائي. فقال لَهُ: فمن يصلح بعدك؟ فقال: رضيت لَكَ المفضَّل بن فضالة فأعفاه.
وإنما كَانَ صاحب البريد يكاتب الخليفة بأخبار القضاة، لأن المنصور كَانَ أول من اتخذ ذَلِكَ مبالغة فِي الاطلاع عَلَى أحوال
الرعية. وكان يقول: أحتاج إِلَى أربعة لا يكون أحد أعف منهم، هم أركان الملك، كما أن السرير لا يستقيم إِلاَّ بأربعة قوائم؛ وهو قاضٍ لا يأخذه فِي الله لومة لائم، وصاحب شرطة ينصف الضعيف من القوي. وصاحب خراج يستقضي الحق ولا يظلم. ثُمَّ عض إصبعه وقال: آه آه عَلَى الرابع. فقيل: من هو؟ قال: صاحب خبر يكتب إليّ بأخبار الحكام عَلَى الصحة.
وكان يرسل إِلَى كل بلد صاحب خبر يكاتبه بالأسعار وقضاء القاضي، وحكم صاحب الشرطة، وَمَا يرد إِلَى بيت المال إِلَى غير ذَلِكَ من الأحداث.
وكان المنصور إِذَا صلى المغرب قرأ الكتب، ونظر فِي الأسعار، فإن تغير منها شيء، سأل عن السبب. ولا يزال يتلطف حَتَّى يعود إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، ويسأل عما يشك فِيهِ من قضاء القاضي إلى أن يقف عَلَى الصحة فِيهِ، فيكتب إِلَيْهِ بِهِ ويوبخه فيما ينقل إِلَيْهِ عنه، إن كَانَ خالف شيئاً من ذَلِكَ.