عبد الوهاب بن أبي القاسم خلف بن أبي الثنا محمود بن بدر العَلاَمِيّ، بمهملة وتخفيف اللام، وهي قبيلة من لَخْم، تاج الدين المعروف بابن بنت الأعز.
ولد سنة أربع وستمائة، ومات أبوه وهو صغير فِي ذي القعدة سنة اثنتي عشرة. وَكَانَ عظيم القدر فِي الدين والورع والصيانة، فسكن دَمِيرَى بالغربية، فربى فِي حجر جَده لأمه الصاحب فخر الدين مِقْدَام بن الكمال ابن شُكر. وَكَانَتْ أم والده تاج الدين بنت أبي المنصور بن ظافر شيخ المالكية. وَكَانَتْ النجابة لائحة عَلَى التاج من صغره. فنشأ ذكياً قوي الحافظة. انقطع للاشتغال مدة طويلة بمدرسة زين التجار. وأخذ
عن فضلاء عصره كالشيخ شرف الدين ابن اللبيب، والضياء ابن الوراق، وابن السكري، والأفضل الخونجي والمجد ابن دقيق العيد، وأذن لَهُ بالإفتاء والتدريس. وأخذ الحديث عن جعفر بن علي الهمذاني، وأخذ أيضاً عن ابن عبد السلام، وابن الجميزي، والمنذري، والشريف الأرموي قاضي العسكر فِي آخرين. وأعاد بالمدرسة المذكورة عنده، وولي نظرها.
ويقال إنه لَمْ تعرف لَهُ صبوة حَتَّى كَانَ الطلبة إِذَا فرغوا من الاشتغال يتمازحون ويمزحون، وهو لا يخالطهم حَتَّى كانوا إِذَا رأوه سكتوا عما هم فِيهِ هيبة لَهُ. ثُمَّ إن الكامل طلب رجلاً يكون أميناً عاقلاً عارفاً بالحساب، فدله عَلَيْهِ الشريف فولاه شاهد بيت المال، فجهد عَلَى أن يعفيه من ذَلِكَ فأبي عَلَيْهِ.
وكان التاج توجه صحبة جده الصاحب الأعز ابن شكر إِلَى الإسكندرية، فتعلم بِهَا الكتابة والحساب فمهر فِيهِ لفرط ذكائه، حَتَّى كَانَ يضرب بِهِ المثل فِي معرفته. ثُمَّ اتسعت معارفه وكثرت فضائله، وضرب فِي كل فن بسهم. قال مؤتمن الدين الحارث بن الحسن بن مسكين فِي السيرة الَّتِي جمعها لَهُ: حضر يوماً مجلس ابن عبد السلام، فجاءت إِلَيْهِ فتياً، فأمر القاضي تاج الدين أن يكتب عَلَيْهَا بحضرته فكتب واستحسن ذَلِكَ الشيخ، ثُمَّ ولاه الصالح أيوب نظر الدواوين. ثُمَّ فوض إِلَيْهِ النظر فِي التواقيع فوقع عنه، فصارت تعرض عَلَيْهِ ويكتب بخطه