كتاب رفع الإصر عن قضاة مصر

ويجعلها فِي كيس، ويختم عَلَيْهَا. فلا يكتب السلطان عَلَى شيء منها، حَتَّى يرى خطه.
قال الشيخ شمس الدين ابن القماح: قال لي ابن دقيق العيد: قلت للقاضي تاج الدين: لو تفرغت للعلم لكنت أعظم من ابن عبد السلام!. وقال القاضي نور الدين ابن الصائغ: كَانَ حجة الله عَلَى قضاة عصره.
وكانت أول ولايته للقضاء فِي سنة أربع وخمسين بعد عزل بدر الدين السنجاري. ثُمَّ صرف فِي سنة خمس وخمسين بالبدر. واستقر هو فِي الوزارة عوضاً عن البدر، ولك فِي ربيع الأول منها. ثُمَّ صرف عن الوزارة بيعقوب بن الزبير، فِي سلطنة المظفر قُطز، وذلك فِي عاشر ذي القعدة سنة سبع وخمسين. وأعيد التاج إِلَى القضاء فِي عاشر جمادى الأولى سنة تسع وخمسين، وذلك فِي سلطنة الظاهر بيبرس. ثُمَّ فِي ثالث شوال منها، أفردت مصر لبرهان الدين الخضر ابن علي السنجاري. فاستمر فِيهِ إِلَى أن مات.
ويقال إنه أول مَا ولي القضاء، أفردت لَهُ مصر عن القاهرة، واستمر البدر السنجاري فِي قضاء القاهرة. فاتفق أن الركن والي مصر، ركب مع المعز أيبك فسأله عن أحوال مصر فقال لَهُ: يَا مولانا، مصر سعدت بالقاضي تاج الدين. فقال لَهُ: فالقاهرة؟ قال: فِيهَا القاضي بدر الدين. فقال المعز: يضاف للقاضي تاج الدين جميع الأعمال. فكتب لَهُ تقليد عظيم بذلك. فسار فِي ذَلِكَ سيرة عظيمة شهيرة. فإنه بسط العدل، ورفع قدر الشرع، وتصرف تصرفات استحسنها كل من عرف بِهَا. وتفقد أحوال الشهود، واستفسر عن أحوالهم وأسقط جماعة وأذن لمن ارتضاه.
وكان من أول مهاباً، فازدادت هيبته مع الحِلم والعفو عمن يسيء إِلَيْهِ.
ومن آثاره المستحسنة فِي الوزارة، أنه لما وليها كَانَتْ العادة قَدْ جرت من عهد طروق الططر البلاد، أنه يؤخذ من أملاك الناس فِي كل سنة أجرة شهرين. فقام القاضي تاج الدين فِي ذَلِكَ بأمور القضاء والوزارة، لا يكاد يخفى عَلَيْهِ شيء من الأمور المتعلقة بِهِ، حَتَّى حكى المؤتمن المذكور، أنه أمر بشراء دواب لنقل آلات العمارة فِي الأوقاف، فلما استغنوا عنها استأذنوه فِي بيعها بعد مدة طويلة فأذن. فأخبره المأذون أنه باع منها الشيء الفلاني بكذا. فقال لَهُ: استفدت فِيهِ كذا، فكشف عن أصل

الصفحة 259