المشتري منه، فوجد كما قال. وعمر فِي أيامه الجامع العتيق بمصر ونمَّى أمواله، وكذلك أموال الأوقاف والأحباس.
ومما حكاه المؤتمن فِي قيامه فِي الحق، أن تاجراً بمصر كَانَ يقال لَهُ ابن الأخرم كَانَتْ لَهُ جارية جميلة فأحبها حباً شديداً حَتَّى أنه أعتقها وتزوجها. تمادت الأيام فانكسر هو وأبوه وأحيط بهما، وحبسا، وبيع موجودهما. فبلغ الأمير ركن الدين المَشْطوبي، وَكَانَ من الأكابر فِي عصره، وَكَانَ القاضي يصحبه، وهو أكبر من سعي لَهُ فِي ولاية قضاء القاهرة، من أول مرة، حَتَّى كمل لَهُ العمل. فبلغ الركن جمال الجارية المذكورة. فراسل سيدها، فاعتذر لَهُ بعتقها، فما قبل منه وألزمه بيعها، فأشهد عَلَيْهِ بأنه باعها وانتقلها الركن. فأقامت عنده مدة، حَتَّى ولدت لَهُ. فلما ظهر قيام القاضي فِي الحق، وأنه لا يحابي فِيهِ أحداً، حضر عنده التاجر وشكا إِلَيْهِ حاله، فطلب الركن فادعى عَلَيْهِ التاجر بأنه اغتصب منه امرأته، فأخرج العهدة ببيعها، فأجاب بأنه أفلس فباعها. فقال لَهُ القاضي لا يصح البيع فِيهَا. فقال:
أَيُّها القاضي إنها قَدْ ولدت مني فلم يلتفت لقوله وألزمه بإِحضارها وأحضر التاجر البينة الشاهدة لَهَا بالعتق والتزويج. فحكم عَلَيْهِ بتسليمها لزوجها. وَلَمْ يلتف إِلَى مَا تقدم لَهُ عَلَيْهِ من المساعدة، وأنفذ فِي حكم الشرع بعد عدة سنين.
وكان إِذَا ظهر لَهُ الحق لا يحابي فِيهِ صاحباً ولا أحداً من الأكابر.
قال: وَكَانَ كثير الحلم قليل الغضب، وربما غلب عَلَيْهِ فيقهر نفسه بالسكوت، قليل المؤاخذة.
قال: ولما مات البدر السنجاري حضر الصلاة عَلَيْهِ فقيل لَهُ: تقدم. فوقف طويلاً بك كبّر، فسئل عن ذَلِكَ فقال: كَانَ قَدْ بلغني عنه أشياء كَانَتْ فِي نفسي عَلَيْهِ، فَرَضَّيت نفسي حَتَّى حالته ثُمَّ صليت عَلَيْهِ.
وكان عند الأمير جمال الدين أَيْدُغْدِي العَزِيزيّ فقيه يعلم أولاده، فسأله أن يكلم القاضي فِي تعديله، فراسله فِي ذَلِكَ، فامتنع. فأرسل إِلَيْهِ جماعة زكُّوه فلم يتجه لَهُ قبولهم. فراسله مع عجمي يقول لَهُ: كَيْفَ ترد شهادة هؤلاء مع أن عدالتهم مشهورة، ويشهد عندك الأتابك، وهو يفعل بمماليكه كذا، وتقبل شهادته فأجابه بأن حلف بأنه مَا عرف بهذا. وقال للعجمي، قل لَهُ: إن شهدت عندي باشتهار الأتابك بهذا، أسقط شهادته، فتحير الأمير العزيزي لما سمع الجواب، وبقي فِي خشية أن يبلغ ذَلِكَ الأتابك. فبلغ ذَلِكَ القاضي فراسله بأنه لا يفشى ذَلِكَ عنه.