قال: وَكَانَ من تصميمه عَلَى الق، لا يصل أحد من الأكابر لا من الأمراء ولا من غيرهم لشيء يريده، إِلاَّ إن وافق الشرع.
ودخل عَلَى الملك الظاهر يوماً وَقَدْ أشهد عَلَى نفسه فِي مكتوب حبس فِيهِ داراً عَلَى جهة من جهات البر، وجعل النظر فِيهِ للقاضي تاج الدين. فقال: يَا مولانا السلطان، أَوْ بطريق النظر الخاص؟ فقال لَهُ: أنت لا تروح من الحكم حَتَّى أموت أنا أَوْ تموت أنت. وَكَانَ كذلك، مات القاضي وهو عَلَى حالته، وَقَدْ عجز كل كبير فِي الدولة عن إزالته.
قال ومن أعجب أمره أنه كَانَ لَهُ أربعة أولاد نجباء، حَتَّى كَانَ أكبرهم يقاربه فِي المنزلة، مَا سمع أحدٌ يقول فِي مدة ولايته، قال ابن القاضي ولا فعل ابن القاضي، حَتَّى إن من لا يعرف أنهم أولاد القاضي يظنهم أجانب عنه.
وقال الشيخ أبو عبد الله ابن النعمان: دخلت يوماً إِلَى القاضي تاج الدين فقلت لَهُ: أنت تكثر الركوب مع السلطان، وَكَانَ القاضي عز الدين ابن عبد السلام لا يركب معه. فقال: مَا أركب معه إِلاَّ لأجل الأمراء، ليوهمهم قربه معه وخصوصيته بِهِ.
وكان من أثبت الناش جأشاً، لا يخلو من ورود أمر يهتم بِهِ، فلا يَتَضَعْضَعْ لشيء، ولا يخضع.
قال: ومن حسن تصرفه أنه كَانَ لبعض المحاجير حصة فِي بستان، فِيهِ نخل كثير، فاحتيج لبيعها، فسويت ثمناً كبيراً، لأن الشريك كَانَ شديد الوطأة، وقال بعض مَن يعرف قيمة الأشياء: إن قسن البستان بلغت حصة اليتيم ضعفي الثمن المذكور. فأرسل القاضي من لَهُ خبرة، فكشف عنه، فعاد وأخبره أنه
لا تتأتى فِيهِ القسمة إِلاَّ عن تَراض. وَكَانَ الشريك يُعرف بالشريف زين الدين ابن قميحة، فاستحضره القاضي، وألاَنَ لَهُ القول وباسَطه، وكلّمه فِي ذَلِكَ وهو يتوقف. فزاد القاضي فِي التلطف معه إِلَى أن قال لَهُ: أنت نائبي. فانخدع بذلك ومضى مع الشهود حَتَّى قسم البستان، وأفردت حصة اليتيم، فبيعت بأضعاف ثمنها. وكثر دعاء الناس للقاضي لعلمهم بشدة بأس ذَلِكَ الشريك وشدة لَدَدِهِ.