كتاب رفع الإصر عن قضاة مصر

حرف الباء الموحدة
بدر الجمالي أمير الجيوش أبو النجم. كان مملوكاً لجمال الدولة أبي الحسن علي بن عَمَّار صاحب طرابلس، ملكه وهو صغير ورباه فظهرت عليه النجابة. فلم يزل ينتقل حتى ولي إمرة دمشق منق بل المستنصر العبيدي في شهر ربيع الآخر سنة خمس وخمسين وأربعمائة. وولي المستنصر معه الشريفَ ثقة الدولة ذات الجلالتين أبا الحسين يحيى بن زيد الحسيني ناظراً على الأعمال. فباشر بدر الإمرة سنةً وثلث سنة. ثم خرج منها في رجب سنة ست وخمسين. ثم أعيد إلى إمرتها في شعبان سنة ثمان وخمسين، بعد سنتين فباشرها سنتين. ثم بلغه أن ولده قتل بعسقلان فتوجه من دمشق في رمضان سنة ستين، فلما كان بمسجد القدم خارج دمشق، عمد بعض الجند والعامة إلى قصره فأحرقوه. ولم يزل ينتقل في الإمرة من دمشق إلى صور حتى ملكها. وأخرج صاحبها عين الدولة أبا الحسن محمد بن عبد الله بن عياض بن أبي عقيل، وكان قاضيها، فغلب عليها وتولى إمرتها.
ثم أقام بدر بعكا إلى أن تغلب ناصر الدولة ابن حمدان على الأمر بمصر، ونقصت حرمة الخليفة المستنصر باستبطائه ناصر الدولة، واستبداده بأحوال المملكة دونه. فشكا المستنصر حاله لبعض من يثق به، فأشار عليه بمكاتبة بدر وأن يفوض إليه أمر مصر ليكفيه من يعارضه فيها. فكتب إليه كتاباً يحثه فيه على القدوم، وبالغ في الاستعانة به حتى قال في ذلك الكتاب:
فإن كنت مأكولا فكن أنت آكلي ... وإلاَّ فأدركني ولمَّا أُمزَّقِ
فلما قرأ الكتاب قويت رغبته في ملك مصر، فلم يملك نفسه أن صاح: لبيك، لبيك، لبيك. وتوجه في أسرع وقت بعد أن جمع معه عسكراً علم صدق نيَّتهم في طاعته، وركب البحر في وسط الشتاء في مائة مركب، فوصولا سالمين حتى

الصفحة 91