كتاب رفع الإصر عن قضاة مصر

وخدمه ثم طاف البلاد حتى أزاح عنها المتغلبين من العرب وغيره، فأوقع بهم بالإسكندرية ثم بطوخ وبدمياط، إلى أن صفت له البلاد. ثم توجه إلى الصعيد الأعلى، حتى بلغ أسوان، فقتل كبير الدولة الذي كان يغلب عليها فهزمه وقلته وبنى بها مسجد النظر.
واتفق أنه كان له ولد كبير فعصى عليه، واستولى على الإسكندرية فحاصره حتى أخذه. فلما قبض عليه قتله بيده، وأباد من أعانه وساعده. وبنى بها الجامع الكبير المعروف بجامع العطارين. وفي أيامه أخِّر باب زويلة إلى حيث هو. وكان قبل ذلك بموضع الغرابليين الآن. وكذا صنع بباب الفتوح، وضعه حيث هو وكان قبل ذلك على رأس حارة قراقرش. وبسبب ذلك صار جامع الحاكم داخل البلد، بعد أن كان خارج بابها.
وكان شديد الهيبة، مخوف السطوة، سريع البطش، وفيه يقول أبو يَعلى ابن الهبَّاريّة في منظومته التي عرف بالصاد والباغم:
كان بمصر بَدرُ ... له عليها الأمرُ
يَقتلُ كل ساعة ... من أهلها جماعة
ويشرب الدماءَ ... حتى تُخَال ماءَ
أصلحها بسيفه ... وجوره وحيفهِ
جزاء كلُ فعل ... لديه سوءُ القتل
لما عصاه ولدُه ... وبان منه نكدُه
أراده حَتْفاً بيده ... ثم رَمَى بجسده
فغضب المستنصرُ ... قبلى في جثماني
ثم غزا لواته ... إذا ظنهم حماته
فحين قيدَ الأسرى ... قال اقتلوهم صبرا
عشرون ألفاً كانوا ... حتى جرى الميدان
فيا لنيل من دمائهم ... ولج في فنائهم

الصفحة 93