كتاب رفع الإصر عن قضاة مصر
وهو على ظهر الفَرَسْ ... كضَيْغَم إذا افتَرَسْ
وكان بدر جواداً يسمع المديح ويثيب عليه، حتى قيل إن احتياجه في كل شهر من السكر كان مائة قنطار بالركل الشامي.
وكان من تدبيره أنه عمد إلى مصر بعد الغلاء المفرط، فنادى بإباحة الزرع لمن زرع وبذر، بغير خَراج، ثلاث سنين، فكثر الزراع لرغبتهم في عدم وزن الخراج. فما مضى الثلاث حتى استغنوا. فوضع الخراج في الرابعة. واقتصر فيما يقال على جباية النصف، وسمح للزراع بالنصف، ثم صار بعد ذلك يستوفي الخراج، بعد أن عُمِّرت الأرض كلها.
وكان من مكارمه ما ذكره ابن ميسر في ترجمة علقمة بن عبد الرزاق العُلَيْمي أنه وفد عليه، فوجد أشراف الناس وأكابرهم على بابه، فلم يتيسر له
الوصول إليه، إلى أن اتفق أنه خرج يوماً يريد الصيد، فوقف له على تل. فلما اجتاز به أشار إليه بورقة في يده، وصاح بأعلى صوته:
نحت التجارُ وهذه أعلاقُنا ... دُرِّ وجود يمينك المبتاعُ
قَلِّب وفتِّشها بسمعك إنما ... هي جوهرٌ تختاره الأسماعُ
كسَدت علينا بالشآم وكلما ... قل النَّفاقُ تعطل الصنَّاعُ
فأتاك يحملها إليك تجِارها ... ومطيّها الآمال والأطماعُ
حتى أنَاخُوها ببابك والرجا ... من دونك السِّمسارُ والبَيَّاعُ
فوهبت ما لم يعطه في دهره ... هرِمٌ ولا كعبٌ ولا القعقاع
وسَبقتَ هذا الناسَ في طلب العلا ... والناسُ بعدك كلهم أتباعُ
يا بدرُ أُقسم لَوْ بِكَ اعتصم الوَرَى ... ولجوا إليك جميعُهم ما ضاعوا
قال: فلما شرع في الإنشاد، أمسك عنان فرسه، فلما فرغ كان في يده بازي، فدفعه لبعض أتباعه وجعل يستعيد الأبيات. فأمر بإحضاره مجلسه. فلما دخل عَلَيْهِ قال مَن أحبني فَليخْلَع عليه، فما توجه من حضرته إلى بسبعين حملاً، وأجازه من ماله بعشرة آلاف درهم.
الصفحة 94
550