كتاب رفع الإصر عن قضاة مصر
وهو أول من ولي الوزارة والقضاء من ذوي السيوف، وأول من أقام للأرمن دولة بالديار المصرية. وكان الذي في القضاء، لما ولي بدرٌ الجمالي القاهرةَ، الحسنَ
ابن أبي كُدَيْنه كما سيأتي في ترجمته. فسيًّره بدر الجمالي إلى دمياط فقتل بها، وقتل معه ولده.
وكان القضاء قبل هذه السنة قد صار مبتذلاً مهاناً جداً، حتى كان يقول ... حدثونا لم فصل.. بحيث إن ابن أبي كدينة وكذا الوزير هذا، ولي القضاء والوزارة في مدة عشر سنين ثلاث عشرة دفعة، منها في سنة تسع وخمسين خاصة، خمس مرات. فلما ولي بدر استناب عبد الحاكم بن وهيب المليجي، ثم صرفه وقرر جلال الملك ابنَ عبد الكريم ألف ارقي.
وذكر ياقوت في معجم الأدباء في ترجمة أسع بن مهذب، ابن أبي المليح مَمَّاتي الكاتب الشاعر عن جمال الدين القفطي، قال: بلغني أن بعض تجار الهند قدم إلى مصر، ومعه سمكة مصنوعة من عنبر، قد تأنق فيها، فعرضها على بدر الجمالي، فسامها منه. فقال لا أنقصها على ألف دينار، فاستغلاها فردها صاحبها، فسأله أبو المليح فقال هل وكان حينئذ كاتباً تحت يد كاتب الجيش، بباب بدر أمير الجيوش: كم سمعت فهيا؟ قال: ألف دينار. فدفع له الألف ينار وأخذها. فلما كان بعد مدة كان أبو المليح في داره يوم بطالة، فشرب، فقال لمن عنده: قد اشتريت سمكة، فأحضروا لي المقلي والنار. فأحضروا له مقلي من حديد وفحماً، فأخرج تلك السمكة فوضعها فوق ذلك الفحم بعد أن ألقت فيه النار. ففاحت روائحها وتزايدات حتى امتلأت بيوت الجريان. واتصل ذلك ببدر الجمالي وهو في درا له على النيل، فخشي أن تكون
خزائنه احترقت فتفقدها فوجدها سالمة. فقال: اكشفوا عن هذا الدخان من أين يأتي؟ فتتبعوه فوجوده من بيت المليح. فأخبروه الخبر، فاستكشف عن حقيقة الخبر حتى عرفها.
فلما دخل أبو المليح الديوان على عادته استدعى به، فقال له وهو مغضب: ويحك أنا أستعظم شراء سمكة عنبر بألف دينار وأنا ملك مصر، فأتركها استكثاراً لثمنها، تشتريها أنت؟ ثم لا يقنعك حتى تقليها في النار؟ فتذهب في ساعة واحدة؟. ما سمحت بهذه إلا وقد نقلت أموال بيت المال إلى دارك! فقال:
الصفحة 95
550