كتاب تفسير التابعين (اسم الجزء: 1)

الرأي، التأويل، وأثرهما على المنهج العقدي عند مجاهد:
وهذه المسألة في الحقيقة من أهم القضايا التي يجب العناية بها والوقوف عندها، وتحقيق أبرز ما يمكن أن يروى فيها.
من المعلوم أن مجاهدا رحمه الله ممن تربى في مدرسة حبر الأمة وترجمان القرآن، وممن شهد له بالسبق في تأويل القرآن بين التابعين، وكان يأمر بتدبر القرآن وفهمه، ويحث على تعلم معانيه وما دلت عليه ألفاظه، وكان يرى أن الراسخين يعلمون المتشابه منه، فقد أخرج ابن جرير عن طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد، قال:
{وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} يعلمون تأويله، ويقولون آمنا به (¬1).
وأورد البخاري في صحيحه تعليقا عن مجاهد في قوله: {مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ}
قال: الحلال والحرام، {وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ}: يصدق بعضها بعضا، كقوله تعالى:
{وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ}، وكقوله جل ذكره: {وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ}، وكقوله: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} ثم قال:
{وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} يعلمون تأويله و {يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} (¬2).
إضافة إلى هذا كله كان رحمه الله يرى أن الرأي الحسن في القرآن من أفضل العبادة (¬3). فأمضى وقته، واستفرغ جهده في مدارسة كتاب الله، وتفهم معانيه، والكشف عن دلالاته ومراميه، فكان من المكثرين في تفسير القرآن، بل عدّه ابن خلدون (¬4) من أكثر تلاميذ ابن عباس تحررا وتوسعا في التفسير.
¬__________
(¬1) تفسير الطبري 6633 (6/ 203)، وينظر تأويل مشكل القرآن (99)، وتفسير ابن عطية (3/ 21)، والبحر المحيط (2/ 384)، وزاد المسير (1/ 354)، وتفسير القرطبي (4/ 12).
(¬2) صحيح البخاري كتاب التفسير، باب منه آيات محكمات (5/ 165).
وقد وصل ابن حجر هذا المعلق في التغليق (4/ 190)، وفي الفتح (8/ 209)، من رواية عبد بن حميد، وينظر إيضاح الوقف لابن الأنباري (2/ 565)، والمكتفي في الوقف والابتداء (196).
(¬3) كتاب الإيمان لابن أبي شيبة (16)، وتأويل مختلف الحديث لابن قتيبة (74).
(¬4) عن كتاب دراسات في القرآن لأحمد خليل (112).

الصفحة 101