فهذه الآيات تقتضي أن القرآن نزل مفرقا منجما، ولذلك اختلف أهل العلم في التنزل الأول هل المقصود به نزوله جملة واحدة إلى السماء الدنيا أو المراد ابتداء نزوله.
ولقد ظهر هذان الرأيان في تفسير التابعين، فأخذ بالقول الأول، سعيد بن جبير، وعكرمة، وإبراهيم النخعي، والسدي.
فعن سعيد قال: نزل القرآن جملة واحدة في ليلة القدر، في شهر رمضان، فجعل في سماء الدنيا (¬1).
وفي رواية: نزل القرآن جملة من السماء العليا إلى السماء الدنيا ليلة القدر، ثم نزل مفصلا (¬2).
وأما أثر عكرمة فقد رواه عن ابن عباس قال: نزل القرآن إلى سماء الدنيا جملة واحدة في ليلة القدر، ثم نزل بعد في عشرين سنة (¬3).
وأما أثر إبراهيم فقد أخرجه سعيد بن منصور عن إبراهيم في قوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} (¬4)، قال: نزل القرآن جملة على جبريل عليه السلام وكان جبريل يجيء بعد إلى محمد صلى الله عليه وسلم (¬5).
وكذلك كان قول السدي، فقد رواه عن ابن عباس (¬6).
وأما القول الثاني: وهو أن المراد أن ابتداء نزوله كان في ليلة القدر، ثم نزل بعد
¬__________
(¬1) تفسير الطبري (3/ 445) 2813، ونحوه في (30/ 228).
(¬2) سنن سعيد، كتاب فضائل القرآن (2/ 293)، والمرشد الوجيز (16)، والدر (7/ 399).
(¬3) فضائل القرآن للنسائي (59)، وتحفة الأشراف (5/ 33)، وكتاب جزء فيه قراءات النبي صلى الله عليه وسلم (121).
(¬4) سورة الدخان: آية (3).
(¬5) سنن سعيد، كتاب فضائل القرآن (2/ 292)، والدر (7/ 339).
(¬6) تفسير الطبري (3/ 448) 2822.