كتاب تفسير التابعين (اسم الجزء: 2)

{لَيْلَةِ الْقَدْرِ} (¬1): أنه أنزله إلى بيت العزة في السماء الدنيا، ثم أنزله بعد ذلك منجما مفرقا بحسب الحوادث، ولا ينافي أنه مكتوب في اللوح المحفوظ قبل نزوله، كما قال الله تعالى: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (21) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} (¬2) وقال تعالى: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78) لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} (¬3)، وقال تعالى: {كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (11) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (12) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرَامٍ بَرَرَةٍ} (¬4)، وقال تعالى: {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ} (¬5)، فإن كونه مكتوبا في اللوح المحفوظ وفي صحف مطهرة بأيد الملائكة لا ينافي أن يكون جبريل نزل به من الله، سواء كتبه الله مثل أن يرسل به جبريل، أو بعد ذلك، وإذا كان قد أنزله مكتوبا إلى بيت العزة جملة واحدة في ليلة القدر، فقد كتبه كله قبل أن ينزله.
والله تعالى يعلم ما كان وما يكون وما لا يكون أن لو كان كيف كان يكون، وهو سبحانه قد قدر مقادير الخلائق، وكتب أعمال العباد قبل أن يعملوها، كما ثبت ذلك في صريح الكتاب، والسنة، وآثار السلف، ثم إنه يأمر الملائكة بكتابتها بعد ما يعلمونها، فيقابل بين الكتابة المتقدمة على الوجود والكتابة المتأخرة عنه، فلا يكون بينهما تفاوت، هكذا قال ابن عباس وغيره من السلف وهو حق، فإذا كان ما يخلقه بائنا عنه قد كتبه قبل أن يخلقه، فكيف يستبعد أن يكتب كلامه الذي يرسل به ملائكته قبل أن يرسلهم به (¬6).
ولاهتمام التابعين بنزول القرآن نجد أن منهم من ألف في ذلك.
¬__________
(¬1) سورة القدر: آية (1).
(¬2) سورة البروج: آية (21، 22).
(¬3) سورة الواقعة: آية (7977).
(¬4) سورة عبس: الآيات (1611).
(¬5) سورة الزخرف: آية (4).
(¬6) مجموع الفتاوى (12/ 126، 127)، (15/ 23، 225).

الصفحة 1047