كتاب تفسير التابعين (اسم الجزء: 1)

{وَجْهُ اللَّهِ}؟ قال: نعم، قلت: المراد بها: قبلة الله، فقال: قد تأولها مجاهد والشافعي (¬1) وهما من السلف، قلت: هذه الآية ليست من آيات الصفات أصلا ولا تندرج في عموم قول من يقول، لا تؤول آيات الصفات.
قال: أليس فيها ذكر الوجه؟!، فلما قلت: المراد بها: قبلة الله. قال: أليست هذه من آيات الصفات؟ قلت: لا، ليست من موارد النزاع، فإني إنما أسلم أن المراد بالوجه هنا القبلة فإن «الوجه» هو الجهة في لغة العرب، وهذا كثير مشهور، فالوجه هو الجهة، وهو الوجه: كما في قوله تعالى: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا}، أي متوليها، فقوله تعالى: {وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا} كقوله: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}، كلا الآيتين في اللفظ والمعنى متقاربتان، وكلاهما في شأن القبلة، والوجه والجهة، هو الذي ذكر في الآيتين: إنا نوليه: نستقبله. (ثم قال) قلت: والسياق يدل عليه لأنه قال: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا}، وأين من الظروف وتولوا أي: تستقبلوا فالمعنى: أي موضع استقبلتموه فهنالك وجه الله، فقد جعل وجه الله في المكان الذي يستقبله هذا بعد قوله: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ} وهي الجهات كلها، كما في الآية الأخرى: {قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلى َ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}.
فأخبر أن الجهات له، فدل على أن الإضافة إضافة تخصيص، وتشريف كأنه قال:
جهة الله، وقبلة الله، ولكن من الناس من يسلم أن المراد بذلك جهة الله أي: قبلة الله، ولكن يقول: هذه الآية تدل على الصفة وعلى أن العبد يستقبل ربه، كما جاء في الحديث: «إذا قام أحدكم إلى الصلاة فإن الله قبل وجهه»، وكما في قوله: «لا يزال الله مقبلا على عبده بوجهه ما دام مقبلا عليه، فإذا انصرف صرف وجهه عنه»، ويقول: إن الآية دلت على المعنيين. فهذا شيء آخر ليس هذا موضعه، ثم ختم بقوله رحمه الله: والغرض أنه إذا قيل: «فثم قبلة الله» لم يكن هذا من التأويل المتنازع فيه
¬__________
(¬1) أحكام القرآن للشافعي (1/ 64)، والأسماء والصفات للبيهقي (2/ 35).

الصفحة 106