وهذا الذي قاله الطبري جيد، إلا أن المتشابه لا ينحصر في التأويل الذي لا يعلمه إلا الله ولا يعلمه الراسخون، أي في قوله: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} بالوقف، وهو العاقبة، وما يؤول إليه الأمر، فإنه إذا أريد به التفسير فالراسخون في العلم يعلمونه أيضا، وهي قراءة من وصل وقرأ {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ}، وبهذا يوفق بين قراءتي الوقف على لفظ الجلالة، والوصل بما بعدها. وهذا ظاهر المنقول عن التابعين، ولهذا قال الحسن البصري: ما أنزل الله آية إلا وهو يحب أن يعلم في ماذا أنزلت وماذا عني بها (¬1)، ولم يستثن الحسن متشابها ولا غيره.
وقال مجاهد: عرضت المصحف على ابن عباس من أوله إلى آخره ثلاث مرات أقفه عند كل آية، وأساله عنها.
قال شيخ الإسلام: فهذا ابن عباس حبر الأمة، وهو أحد من كان يقول: لا يعلم تأويله إلا الله، يجيب مجاهدا عن كل آية في القرآن، وهذا هو الذي حمل مجاهدا ومن وافقه كابن قتيبة على ان جعلوا الوقف عند قوله: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ}
فجعلوا الراسخين يعلمون التأويل لأن مجاهدا تعلم من ابن عباس تفسير القرآن كله، وبيان معانيه، فظن أن هذا هو التأويل المنفي عن غير الله إلى أن قال: ومجاهد إمام التفسير، قال الثوري: إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به، وأما التأويل فشأن آخر، ويبين ذلك أن الصحابة والتابعين لم يمتنع أحد منهم عن تفسير آية من كتاب الله، ولا قال هذه من المتشابه الذي لا يعلم معناه، ولا قال قط أحد من سلف الأمة، ولا من الأئمة المتبوعين: إن في القرآن آيات لا يعلم معناها، ولا فهمها رسول الله صلّى الله عليه وسلم، ولا أهل العلم والإيمان جميعهم، وإنما قد ينفون علم بعض ذلك عن بعض الناس، وهذا لا ريب فيه (¬2).
¬__________
(¬1) مجموع الفتاوى (13/ 284).
(¬2) مجموع الفتاوى (13/ 284، 285).