بالنسخ، إلا أن الغريب أن تلاميذ المدرسة المكية لم يتابعوه في توسعه هذا، ولا سيما مجاهد، وعطاء (¬1)، وقد يرجع سبب عدم توسع مجاهد إلى تأثره بالمدرسة الكوفية التي ضيقت دائرة النسخ، وقالت بإحكام الكثير من الآيات التي عدّها البعض منسوخة، ولا سيما ما كان من الشعبي، والنخعي (¬2).
أما المدرسة البصرية فقد توسع قتادة في القول بالنسخ، وكذلك المدرسة المدنية، توسع سعيد بن المسيب، وزيد بن أسلم، ولعل السبب في ذلك هو أن القول بالنسخ يعتمد كثيرا على الرواية، ومعرفة التاريخ، وكان قتادة وكذلك سعيد بن المسيب من الحفاظ الذين لا يخفى عليهم ذلك، يضاف كذلك إلى قتادة أنه كان يميل للمنهج الوعظي، فتوسع في القول بالنسخ لكثير من آيات العفو، والصفح، ويعد المتأخرون من التابعين من المتوسعين في مسألة النسخ كما يظهر ذلك من مرويات السدي، وقتادة، والزهري، حتى إن ابن الجوزي عاب السدي على هذا التوسع (¬3).
ولأجل توسع قتادة في مسألة الناسخ والمنسوخ، لا نعجب حين نعلم أنه أول من ألف فيه كتابا مستقلا (¬4).
وكذلك لا غرو أنه يجعل بعض الآيات ناسخة منسوخة، فمن ذلك تفسيره لقوله تعالى: {وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} (¬5)، قال: قوله تعالى: {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ}
¬__________
(¬1) النسخ لمصطفى زيد (1/ 359).
(¬2) يراجع في جعل النخعي الكثير من الآيات محكمة ما جاء في تفسير الطبري في الآثار ذوات الرقم (8660، 8663، 8666).
(¬3) نواسخ القرآن لابن الجوزي (76).
(¬4) البرهان (2/ 28).
(¬5) سورة البقرة: آية (191).