كتاب تفسير التابعين (اسم الجزء: 2)

التابعين فيها كلام على ترتيب النظم، وأسرار ذلك، ووجدت روايات أكثر في أسرار ختم الآيات، ومناسبة الختم لأول الآية، وغير ذلك مما يأتي ذكره.
ولعل السبب في عدم إكثار التابعين من هذا الفن، أن بعضه يجيء تكلفا، وكان القوم من أبعد الناس عن التكلف، قال عز الدين بن عبد السلام (¬1): المناسبة علم حسن، ولكن يشترط في حسن ارتباط الكلام أن يقع في أمر متحد مرتبط أوله بآخره، فإن وقع على أسباب مختلفة لم يشترط فيه ارتباط أحدهما بالآخر، قال: ومن ربط ذلك فهو متكلف بما لا يقدر عليه إلا برباط ركيك يصان عنه حسن الحديث فضلا عن أحسنه (¬2).
والمقصود أن التابعين لم يغفلوا هذا الفن بلا كان كلامهم فيه من أرق ما يكون، وهو بمثابة القاعدة التي قام عليها بنيانه فيما بعد.
فمما جاء عنهم في ربط الآية بما قبلها من الآيات، ما جاء عن التابعين في تفسيرهم لقوله تعالى: {فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ} (¬3)، فقد فسروها بأن القوم الآخرين هم الأنصار، ولكن لم يرتض قتادة رحمه الله هذا القول نظرا لسياق الآيات، فسياقها في ذكر بعض النبيين، ولحاقها في الأمر بالاقتداء بهم، فتكون الآية في أهل مكة، والنبيين.
¬__________
(¬1) هو عبد العزيز بن عبد السلام المشهور بالعز، ولد سنة (577هـ)، وتوفي سنة (660هـ)، ينظر ترجمته في طبقات الشافعية للسبكي (5/ 10780).
(¬2) البرهان (1/ 37)، وقد أشار بعده إلى أنه يمكن الرباط بين الآيات المختلفة النزول على حسب الوقائع، وينظر الإتقان (2/ 138).
(¬3) سورة الأنعام: آية (89).

الصفحة 1135