وفي تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (17) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً} (¬1).
قال الربيع: نزلت الأولى في المؤمنين، ونزلت الوسطى في المنافقين، يعني:
{وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ}، والأخرى في الكفار، يعني: {وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ} (¬2).
فهنا ربط الربيع بين الآيات، ولاحظ أن ثمة معنى يجمع بينها وهو من تقبل توبته ومن لا تقبل، فلم يفسر كل جملة مستقلة عن الأخرى، بل جمع بين الآيتين، وبين ما فيهما من تقسيم وحصر شامل لكل هؤلاء.
وجاء أيضا عن أبي العالية في تفسير آيات المحرمات من النساء، وما قبلها وما بعدها في سورة النساء، أنه قال: يقول: انكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى، وثلاث، ورباع، ثم حرم ما حرم من النسب والصهر، ثم قال: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}، فرجع إلى أول السورة، إلى أربع، فقال: هن حرام أيضا إلا بصداق وسنة وشهود (¬3)، فأبو العالية هنا أراد أن يربط قوله: {وَالْمُحْصَنَاتُ}
بما قبلها يعني أن النساء المحصنات اللائي يبحن، لا بد من استيفاء شروط العقد لئلا يعتل رجل بالآية الأولى فلا يشترط ذلك (¬4).
¬__________
(¬1) سورة النساء: آية (1817).
(¬2) تفسير الطبري (8/ 100) 8865، وفتح القدير (1/ 439).
(¬3) تفسير الطبري (8/ 159) 8899.
(¬4) وهذا إذا كان معنى (المحصنات) أي العفيفات، وأما إن كان معناه المتزوجات فلا يتأتى هذا التفسير، ويكون سياق الآيات أنه ذكر المحرمات بالنسب، والصهر، ثم ذكر تحريم المتزوجة، والله أعلم.