ومما جاء عن التابعين في ربط الآية بما جاء بعدها، ما جاء عن مجاهد أنه قال في قوله تعالى: {فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ} (¬1).
فقال حينئذ: {وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} (¬2).
ويلاحظ أن مجاهدا ربط بين الآيات بكلمة واحدة، وهذا عهدنا به في اختصار جمل التفسير مع غزارة المعاني رحمه الله.
ومما ورد عن التابعين في ربط كلمات الآية الواحدة بعضها ببعض ما جاء عن يعلى ابن مسلم، قال: سألت سعيد بن جبير عن هذه الآية {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ} قال: اقرأ ما قبلها، فقرأت: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} إلى قوله: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} (¬3)، قال: اللغو أن تحرم هذا الذي أحل الله لك، وأشباهه تكفر عن يمينك، ولا تحرمهم، فهذا اللغو الذي لا يؤاخذكم به، {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ}، فإن مت عليه أخذت به (¬4).
وفي تفسير قوله تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا} (¬5).
يربط قتادة بين الفحشاء والفقر، وبين المغفرة والفضل، فيقول: مغفرة
¬__________
(¬1) سورة المائدة: آية (52).
(¬2) سورة المائدة: آية (53)، وقراءة ترك الواو التي قرأها مجاهد: (يقول الذين آمنوا) هي قراءة أهل المدينة، كما نبه عليه الطبري، ينظر الأثر والتنبيه في تفسير الطبري (10/ 407) 12176.
(¬3) سورة المائدة: آية (89).
(¬4) أورده السيوطي في الدر، وعزاه إلى أبي الشيخ (3/ 150).
(¬5) سورة البقرة: آية (268).