كتاب تفسير التابعين (اسم الجزء: 2)

فالقوا الله بالمصاحف. قال الزهري: فبلغني أن ذلك كرهه من مقالة ابن مسعود رجال أفاضل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم (¬1).
ثم صار المسلمون ينتسخون المصاحف من المصاحف العثمانية التي وجّه بها عثمان إلى الأمصار.
وكانت المصاحف أول الأمر خالية من التنقيط والإعراب (الشكل) حتى تشتمل القراءات بالأحرف المختلفة، وما اختلف في الرسم بزيادة واو أو لام ونحو ذلك، كتب في أحد المصاحف بوجه وفي آخر بوجه آخر، ولأجل ألّا يختلط القرآن بغيره كره الصحابة وضع أي كتابة في المصاحف غير الآيات، فعن مسروق عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه كره التعشير في المصحف (¬2)، والتعشير هو وضع العلامات بعد كل عشر آيات، وقد استمر التابعون على هذا المنهج، فورد كراهة التعشير عن عطاء، وإبراهيم، ومجاهد، وابن سيرين، وغيرهم (¬3).
وكان إبراهيم يقول: جردوا القرآن ولا تخلطوا عليه ما ليس منه (¬4)، ومعنى جردوا أي من النقط والإعراب وما أشبههما (¬5).
واستمر هذا الحال بالتابعين حتى رأوا مصلحة التنقيط، فمنهم من أجازه بعد
¬__________
(¬1) رواه الترمذي في سننه، كتاب تفسير القرآن (5/ 285) 3104.
(¬2) المصنف لابن أبي شيبة (10/ 548) 10290، والمصنف لعبد الرزاق (4/ 322)، والمحكم في نقط المصاحف (14)، وفضائل القرآن لابن الضريس (84).
(¬3) مصنف ابن أبي شيبة (10/ 548، 549)، وإحياء علوم الدين (1/ 283)، وفضائل القرآن لابن الضريس (84).
(¬4) المصنف لابن أبي شيبة (2/ 489)، والمصاحف (156)، وشعب الإيمان (5/ 598) 2424، وفضائل القرآن لأبي عبيد (39).
(¬5) النهاية في غريب الحديث لأبي عبيد (1/ 256).

الصفحة 1143