وإنني أحمد الله وحده الذي بفضله تتم الصالحات، فإني ما مررت بمبحث إلا وقد
طالعت فيه ما أكسبني علما جديدا، ومعرفة أخرى، وهذا من مزايا هذه البحوث العلمية المتخصصة، والمراجع لهذه الرسالة يجد بحمد الله جملة أحسبها طيبة من النتائج التي لم أعثر عليها عند من سبقني إليها، ويعلم الله وحده كم كلفني ذلك من جهد ووقت وكدّ ذهن، ومقارنة ونظر وتأمل، ومتابعة وتدقيق، أسأل الله عز وجل أن تكون خالصة صوابا.
وقد وصلت في هذا البحث بتوفيق الله وعونه وتسديده إلى عدة نتائج وفوائد أستخلص منها بعضا، من أهمها:
1 - مدارس التفسير:
لقد خلصت من خلال الدراسة لأعلام المفسرين من التابعين إلى أن هناك مدارس، جمعت اتجاهات فكرية محددة، ومناهج واحدة في التفسير، وهي المكية، والبصرية، والكوفية، والمدنية، وأيضا المصرية والشامية واليمنية، وكان ظني لأول وهلة أن المكان هو العامل الرئيس لتحديد هوية المدرسة، ولكن ما لبثت أن استبعدت ذلك لما رأيت تقاربا بين مدارس البصرة والمدينة واليمن والشام، في حين تقاربت مدرستا مكة والكوفة ومصر، فلو كان عامل المكان هو العامل الأساسي لكانت المدرستان العراقيتان أولى بالتقارب كما ظنه من ظنه من الباحثين.
واقتضى مني ذلك أن أبحث عن عوامل أخرى لذلك، وتوصلت إلى أن عدة عوامل تؤثر في الاتجاه الفكري للمدرسة، منها المكان وإن لم يكن العامل الأساسي كما أسلفت، ومنها والله أعلم ولعله الأهم عامل شخصية الشيخ، وقرب التلاميذ منه، وكثرة أخذهم عنه، لقد كان أثر شخصية ابن عباس مثلا أثرا قويا تعدى نطاق الحجاز، فأثر في كثير من مفسري العراق، فالسدي وإن كان كوفيا فإنه بسبب كثرة اشتغاله بتفسير ابن عباس وروايته نجده قد تأثر بالمنهج المكي أكثر، وكذلك الحال بالنسبة
لسعيد بن جبير الكوفي، ونلحظ ذلك التأثر في كثرة مروياته وموافقاته لابن عباس، في حين قلّت مروياته عن شيخ الكوفة ابن مسعود.