* ومن النتائج التي تمخضت عنها هذه الدراسة أيضا مما يتعلق بالمدارس: إبراز مدرسة البصرة بوصفها مدرسة مستقلة لها نتاجها المتميز في التفسير، وقد دأب
الباحثون فيما اطلعت عليه أن يدمجوها مع الكوفة، ويتحدثون عن المدرستين باسم المدرسة العراقية، مما ترتب عنه إغفال إفرادها بالحديث، وإهمال النظر في منهجها، مع أنها لا تقل شأنا عن مدرسة الكوفة، بل هي في نظري أهم منها لأن نتاجها التفسيري أكثر وأعمق، ناهيك عن أن من الكوفيين المكثرين من هو مكي الاتجاه كسعيد بن جبير، والسدي.
* ومما تجدر الإشارة إليه أيضا أنني لم أجد نتاجا واضحا متميزا للمدارس المصرية والشامية واليمنية، بل كان ما ورد عنها مع قلته جدا إنما هو اقتداء واتباع لإحدى المدارس الأربع الأخرى، ولذا رأيت أن لا أتكلف لها مميزات، وتجنبا للإطالة أو الحشو.
* ومما يستفاد من دراسة هذه المناهج، معرفة الطرق والمسالك التي سار فيها سلفنا الأبرار، للسير على خطاهم، والنسج على منوالهم من جهة، ومن جهة أخرى لإعطاء أفق واسع لطلاب هذا العلم، لمعرفة مدارس التفسير السابقة ومناهجها التي درج الناس على دربهم، فالمدرسة المكية اعتنت بالجانب الحرفي المعرفي فغلب على تفسيرهم إيضاح الغامض وبيان المبهم إلخ، وكان لهذا المنهج أثر فيما تلا عصر التابعين من عصور، فوجدنا من كتب التفسير كتبا اعتنت باللغة والبلاغة وإيضاح المشكل، أكثر من عنايتها بالجوانب الأخرى، كتفسير أبي حيان، والزمخشري، وغيرهما، في حين جاءت مدرسة البصرة لتعتني بجانب الدعوة والوعظ، ففصلت القول في آيات الوعد والوعيد، والقصص والأمثال لتبين للناس المراد من الآية وكيف توجه، وما حال الناس معها، من اتبع وآمن، ومن خالف واعرض!
ودرج على ذلك كثير من المفسرين كتفسير الثعلبي الكشف والبيان، وما كتب الزهد والوعظ عن ذلك ببعيد، بل وكتب التفسير المتأخرة ككتاب سيد قطب، وغيره.