بخلاف سعيد بن جبير، وعطاء، وهما من نفس المدرسة لأنهما أخذا عن ابن عباس، وعن ابن عمر رضي الله عن الجميع، وعن المدنيين، ولذا تأثروا بهم فكان
اتباعهم للمنهج المكي أقل.
* ومن جهة أخرى فإنه كلما كان الشيخ أميل للاجتهاد وتربية أصحابه عليه، برز فيهم ذلك، وهذا حال ابن عباس مع تلاميذه مجاهد وعكرمة.
أما تلاميذ عبد الله فقد حذوا نهجه في التورع وعدم الانطلاق في هذا الجانب، فلم يكن الاجتهاد واضحا في أئمة المدرسة الكوفية حتى جاءت طبقة صغار التابعين، والطبقة التي تليها من أتباع التابعين، فكثر عندهم الاجتهاد في التفسير، بينما كانت الطبقة الصغرى في مكة راوية فحسب للمجتهدين من أئمة التفسير المكيين.
* ومن جانب آخر افترق التابعون في نشر علم شيوخهم، فاختص عكرمة مثلا بأن كان أكثر من نقل علم ابن عباس من المدرسة المكية، لكن عكّر عليه ما رمي به من الأهواء، فصار سعيد بن جبير أضبط منه، في حين كان مجاهد من أقلّهم رواية عن شيخه ابن عباس.
وكان الشعبي أبرز من اعتمد أقوال الصحابة في التفسير.
ب الرواية:
لقد اختلفت مناهج التابعين في الاعتناء بالرواية في التفسير، فكان أكثرهم عناية بتفسير القرآن بالسنة قتادة الذي استغنى بمحفوظه عن مجهوده، والذي ضرب به المثل في الحفظ والإتقان، وكذا الحسن الذي عاش في المدينة في بداية عمره فتأثر بالمنهج الأثري فيها.
ومنهم من نقل تفسير غيره حرفيا، ولم يزد عليه شيئا كبيرا، كالربيع بن أنس، والسدي، وكان اعتمادهما على ما أخذاه عن الصحابة أو عن كبار التابعين.
وكان أبو العالية أيضا يميل للرواية، وسبق أن عكرمة أكثر من الرواية عن ابن
عباس، واشتغل بذلك، وإن كان سعيد بن جبير أكثر قبولا وضبطا منه، إلا أن عناية عكرمة بأسباب النزول كانت أكثر، ويعد إبراهيم أقلهم اعتناء بالأثر والرواية فيما ظهر لي، ومن أكثرهم اشتغالا بفقه الرأي.