كتاب تفسير التابعين (اسم الجزء: 2)

وكان أبو العالية أيضا يميل للرواية، وسبق أن عكرمة أكثر من الرواية عن ابن
عباس، واشتغل بذلك، وإن كان سعيد بن جبير أكثر قبولا وضبطا منه، إلا أن عناية عكرمة بأسباب النزول كانت أكثر، ويعد إبراهيم أقلهم اعتناء بالأثر والرواية فيما ظهر لي، ومن أكثرهم اشتغالا بفقه الرأي.
ومع ميل الحسن وقتادة للرواية فإنهما أهملا عمدا رواية الإسرائيليات، ولا سيما الحسن الذي كان يرى أنه لا ينبغي لمؤمن أن يأخذ دينه من أهل الكتاب، مع أنه من الوعّاظ الذين يجدون غالبا مجالا للرواية القصصية في الإسرائيليات.
وفي المقابل نجد السدي من أكثرهم توسعا وتساهلا في روايتها والتفسير بها.

ج التفسير بين الاجتهاد والورع:
يعد مجاهد من أكثرهم اجتهادا في التفسير، ومن أكثرهم تفرغا وانقطاعا له، يليه عكرمة مولى ابن عباس الذي اشتغل بنقل تفسير شيخه وروايته، مع إعمال عقله وفكره في التفسير، وكثرة اشتغاله به.
ويأتي بعدهم الحسن الذي مع جمعه وحفظه لكثير من النصوص، إلا أنه اجتهد فيما لم يجد فيه نصا.
وجاء رابعهم فيما ظهر لي سعيد بن جبير، إلا أن مروره بالكوفة وسماعه من أهلها من أسباب قلة اجتهاده في هذا، وأما قتادة فقد كان النصيب الأوفى للأثر والرواية وحفظ ما سمعه من حديث وأثر، فأرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن بعض الصحابة، وروى عن كثير من التابعين، لا سيما ما سمعه من شيخه الحسن، فأعانه كل هذا على التقدم في هذا الباب وكثرة الآثار والروايات عنه.
أما بقية مفسري التابعين من الكوفيين والمدنيين خاصة فقد تشددوا في هذا الباب، فقلّ نتاجهم فيه.

الصفحة 1174