د التخصص:
من النتائج التي ظهرت لي في بحثي هذا، أن مفهوم التخصص كان موجودا في عصر التابعين، وإن كان في أفراد منهم، فقد وجدت أن الذين تفرغوا للتفسير وانقطعوا له هم: مجاهد، وقتادة، والحسن، والسدي، وعكرمة، وابن جبير.
وغلب على غيرهم الفقه وغيره من العلوم.
ويعد مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير ممن فرغوا أنفسهم للتفسير، ولازموا شيخهم، وأكثروا من النقل عنه في هذا الباب خاصة، وتميز مجاهد بأنه استفرغ علمه القرآن، فكان أكثرهم استخداما لتفسير القرآن بالقرآن، وعني به أيما عناية، ولذا نجد له ما يزيد على ستة آلاف رواية في التفسير، في حين لا نجد له في الحديث أو الفقه إلا قليلا.
ويقترب عكرمة من مجاهد في تفرغه للتفسير، إلا أن مجاهدا تميز بوجود تلاميذ تخصصوا في رواية التفسير عنه، كما تميز ببعده عن التلبس بالأهواء والآراء التي كانت من الأسباب الرئيسة في تجنب بعضهم تفسير عكرمة.
ولم يكن التفسير هو العلم الذي ظهر فيه تخصصهم فحسب، بل ظهر تخصص بعضهم في علوم شتى.
فقد ذهب عليهم الحسن بالمواعظ، وذهب عطاء بالمناسك (¬1)، وأعلمهم بالطلاق وآيات الأحكام ابن المسيب، ولا سيما أنه كان قاضيا، ويقرب منه إبراهيم، وأثر هذا التخصص في تفسيرهم.
وقد ظهر لي من آثار التخصص خروج بعضهم عن الظاهر، فكان أكثرهم مخالفة للظاهر مجاهد، ثم الحسن، فعكرمة، إلا أن مجاهدا وعكرمة إنما خالفوا الظاهر بحكم
¬__________
(¬1) هذه عبارة العلل لأحمد (1/ 942) 140.