كتاب تفسير التابعين (اسم الجزء: 1)

فإنهم أفضل ممن بعدهم، كما دل عليه الكتاب، والسنة، فالاقتداء بهم خير من الاقتداء بمن بعدهم، ومعرفة إجماعهم ونزاعهم في العلم والدين خير وأنفع من معرفة ما يذكر من إجماع غيرهم ونزاعهم وذلك أن إجماعهم لا يكون إلا معصوما، وإذا تنازعوا فالحق لا يخرج عنهم، فيمكن طلب الحق في بعض أقاويلهم. ولا يحكم بخطإ قول من أقوالهم، حتى يعرف دلالة الكتاب والسنة على خلافه. قال تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} (¬1).

دواعي اختيار الموضوع:
1 - حملت لنا تلك الحقبة الزمنية خيرة من المفسرين، فرغبت في دراسة مناهجهم للتعرف على مسالكهم، فهم الذين ذلّلوا هذا الطريق، وتركوا فيه معالم خير وهدى للسالكين.
فأردت أن أقتبس من أنوارهم، وأقتطف من أزهارهم، وألقط من نثارهم، وأقيد من شواردهم، وأنتقي من فرائدهم، وأنظر في مسالكهم، وأقفو آثارهم، لتكون اللبنة الأولى في تسهيل الطريق أمامي لمعرفة كتاب الله، وضبط خطاي على أصول علمية دقيقة أتأسى فيه بذلك الجيل، فقرأت تراثهم مرات ومرات، وأعدت النظر في منتقاه كرات.
2 - سعة الموضوع، وتنوع مباحثه، وتعدد مداخله، وتداخل علومه، مما يتيح لي فرصة الوقوف على جل علوم القرآن الكريم، والرجوع إلى أمهات كتب التفسير، والاطلاع على أهم مصادر علوم القرآن، والمقارنة بين تفاسير الأئمة، والوقوف على أقوالهم، ورصد مناهجهم المختلفة لاختلاف مداركهم ومفهومهم فإن لكل واحد منهم وزنه وقدره.
¬__________
(¬1) سورة النساء: آية (59)، مجموع فتاوى شيخ الإسلام (13/ 2523).

الصفحة 12