كتاب تفسير التابعين (اسم الجزء: 1)

أولا: تبين لي أن هناك ميلا إلى التخصص في عموم المدارس التفسيرية، وكذا
خصوص الأفراد، أما من حيث العموم فقد تخصصت المدرسة المدنية بالعلم بالسير، والأخبار، ورواية الأحاديث، والسنن وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم عاش بين ظهرانيهم، فنقل الصحابة ومن جاء بعدهم كابرا عن كابر ما تعلق به من سيرة وطرائق.
وبلغت المدرسة المكية شأوا بعيدا في تتبع مسائل الحج، ودراسة آيات الأحكام الخاصة به نظرا لقربهم من المشاعر، وكثرة سؤال الوافدين عنها.
كما اشتهرت المدرسة البصرية باللغة، والفصاحة، ومعرفة الغريب لوقوعها على حدود البادية، ووفرة القادمين إليها من الموالي الذين يفشو اللحن في ألسنتهم، فهدوا إلى حفظ اللغة العربية من اللحن بالسبق في تدوينها.
أما المدرسة الكوفية فقد تخصصت في استنباط آيات الأحكام والإكثار منها، بينما عنيت مدرسة الشام بأحكام الجهاد لأنهم أهل غزو وجهاد.
وأما من حيث خصوص الأفراد فوجدت أن مجاهدا قد تخصص وتفرغ لعلم القرآن، حتى بلغ فيه الغاية، ولم يقاربه أحد في كثرة المروي من التفسير (¬1).
وغلب الوعظ والتوجيه على تفسير الحسن البصري، حتى إنه ربما خالف الظاهر من النص القرآن منفردا من بين التابعين بتأويل يوافق مشربه (¬2).
وأما ابن المسيب فقد عني بآيات الأحكام، وبوجه أخص ما تعلق منها بمسائل
¬__________
(¬1) حيث بلغ عدد المروي عنه في تفسير الطبري (6109) أقوال، وكان يقول: استفرغ علمي القرآن.
(¬2) نص على ذلك الأوزاعي، وغيره حيث قال: ذهب عليهم الحسن بالمواعظ، ومن الآيات التي أولها لأجل ذلك، ما جاء عند قوله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ} قال رحمه الله:
كان الرجلان من بني إسرائيل، ولم يكونا ابني آدم لصلبه، وعند قوله سبحانه: {وَنَادى َ نُوحٌ ابْنَهُ}: كان الحسن يحلف أنه ليس ابنه لصلبه. وغيرها من الأمثلة تراجع في موضعها من ترجمة الحسن ص (230).

الصفحة 20