كتاب تفسير التابعين (اسم الجزء: 1)

* * *

2 - التفسير في مراحله الأولى
نزل القرآن الكريم على نبيّ أميّ، وقوم أميين، نزل بلغة العرب، وعلى أساليب بلاغتهم، فكانوا يفهمون القرآن، ويدركون معانيه ومراميه بمقتضى سليقتهم العربية، فهما لا تعكره عجمة ولا يشوبه تكدير، وكانوا يعلمون ظواهره، وأحكامه، ومن هنا جاء قول ابن خلدون: إن القرآن نزل على العرب بلغتهم، فكانوا كلهم يفهمونه، ويعلمون معانيه وتراكيبه. ثم يقرر بعد ذلك أن في القرآن إشارات لم يتح لكثير من العرب أن يفهموها، ومن هنا دعت الحاجة إلى فهمها وبيان مراميها (¬1).
ومن المعلوم أن أكثر آيات القرآن واضحة المعنى وخصوصا ما يتعلق بأصول الدين، وأصول الأحكام، وهذا النوع يفهمه جمهور المسلمين، ولا سيما العرب منهم.
أما ما كان من الآيات التي يصعب فهمها على عموم المسلمين، فلا يقف على معناها إلا الراسخون في العلم منهم، وإمامهم في ذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي أمر بالبيان {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (¬2).
ولذا نشأ التفسير بالمأثور، وكان مقصورا في أول أمره على ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم، فكان الصحابة يقرءونه ويتسابقون للعمل بما يعلمون، وقد يشكل بعضه على أحدهم فيسأل النبي صلى الله عليه وسلم، ويجيبه النبي صلى الله عليه وسلم في سهولة ويسر، وكانت حياته صلى الله عليه وسلم تطبيقا عمليا لأوامر القرآن ونواهيه (¬3).
والمتأمل لعصر النبي صلى الله عليه وسلم يجد صدق الإيمان في قلوبهم، والفهم الخالي من كل شبهة وشهوة، كل ذلك جعلهم لا يقولون في التفسير إلا ما روي عنه صلى الله عليه وسلم توقيفا، وهذا كان في أول الأمر، ولما انتقل صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى، وانتشر الصحابة في الآفاق، ازدادت الحاجة إلى
¬__________
(¬1) دراسات في القرآن (111).
(¬2) سورة النحل: آية (44).
(¬3) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (13/ 363).

الصفحة 34