كتاب تفسير التابعين (اسم الجزء: 1)

علمهم، فهم أدرى الناس بذلك، لما شاهدوه من القرائن والأحوال التي اختصوا بها، ولما لهم من الفهم التام، والعلم الصحيح، والعمل الصالح، لا سيما علماؤهم (¬1).
وهم مع فضلهم وسبقهم رضي الله عنهم وأرضاهم كانوا يتفاوتون في فهم القرآن، وبيان معانيه وأسراره، وذلك راجع إلى اختلافهم في أدوات الفهم، فمنهم من كان واسع الاطلاع في اللغة ملما بغريبها، ومنهم من كان دون ذلك، ومنهم من كان يلازم النبي صلى الله عليه وسلم، فيعرف من أسباب النزول ما لا يعرفه غيره، بالإضافة إلى ما بينهم من التمايز في الدرجة العلمية، والمواهب العقلية (¬2).
يقول مسروق: جالست أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فوجدتهم كإخاذ يعني الغدير فالإخاذ يروي الرجل، والإخاذ يروي الرجلين، والإخاذ يروي العشرة، والإخاذ يروي المائة، والإخاذ لو نزل به أهل الأرض لأصدرهم (¬3).
ولما فتح الله على المسلمين كثيرا من البلاد، نتج عن ذلك انتقال الصحابة مجاهدين بالسنان، وباللسان، فحملوا معهم ما حفظوه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجلس إليهم كثير من التابعين يأخذون العلم عنهم، وينقلونه لما بعدهم، فقامت في هذه الأمصار مدارس علمية، أساتذتها الصحابة، وتلاميذها التابعون (¬4).
وقد دخل في هذا الدين عناصر أجنبية على حظ كبير من الحضارة المادية، وكانوا يستخدمون الكتابة في كثير من شئون حياتهم، ويعتمدون عليها في تدوين علومهم، ولم يألفوا حفظها عن طريق الذاكرة، من هنا أخذ الموقف يتحرك قليلا، فبدأنا نرى جماعة من التابعين يكتبون لأنفسهم (¬5)، وإنما استباحوا ذلك اقتداء بأولئك الصحابة (¬6) الذين أباح لهم
¬__________
(¬1) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (13/ 363).
(¬2) التفسير والمفسرون (1/ 35).
(¬3) طبقات ابن سعد (2/ 343)، والمعرفة والتاريخ (2/ 542).
(¬4) التفسير والمفسرون (1/ 100).
(¬5) أورد. محمد مصطفى الأعظمي في كتاب دراسات في الحديث النبوي، الأدلة على أن (53) من كبار التابعين كتبوا (1/ 167143)، وأن (99) من صغار التابعين كتبوا (1/ 220144).
(¬6) وأورد أيضا الدليل على أن (52) صحابيا كتبوا، ينظر كتاب دراسات في الحديث النبوي (1/ 14292).

الصفحة 35