كتاب تفسير التابعين (اسم الجزء: 1)

أسباب قلة نتاج ابن مسعود التفسيري:
ومدرسة الكوفة كانت من أكثر المدارس اقتداء ومتابعة لأستاذها حتى بعد موته، فإن تأثيره قد بقي في الكوفة بعده مدة طويلة، وأحسب أن من أهم أسباب إقلال المدرسة في التفسير هو اشتغال المدرسة بالعلوم التي اشتغل بها إمامها رضي الله عنه وهذا بدوره يجعلنا نوجه الحديث إلى إظهار أهم الأسباب التي قللت نتاج هذا الإمام في التفسير (¬1)، وأهم من ذلك بيان السبب في إقلال أصحابه من بعده، وإليك توضيح ذلك مفصلا:

1 - التحرج والورع عند ابن مسعود رضي الله عنه:
كان شديد الورع في التحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وقد تأثر في هذا بمسلك عمر رضي الله عنه الذي كان يأمر بالإقلال من الحديث خشية الخطأ في نقل حديثه صلى الله عليه وسلّم.
فعن قرظة بن كعب رضي الله عنه قال: قدمنا على عمر بن الخطاب في وفد من أهل الكوفة، قال: فقضى من حوائجنا ما قضى، حتى إذا ودعنا وخرجنا، لحقنا عمر وهو ينادي، يعلق نعله في يديه، قال: فلما رأيناه، وقفنا له حتى إذا جاء، قال: إني ذكرت أنكم تقدمون غدا على قوم، فأقلوا الرواية على رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأنا شريككم (¬2).
وعن رجاء بن أبي سلمة قال: إن معاوية كان يقول: عليكم من الحديث بما كان في عهد عمر، فإن عمر قد كان أخاف الناس في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم (¬3). وكان عمر رضي الله عنه ينهى المكثرين من الصحابة عن التحديث، فكان يقول لأبي هريرة:
¬__________
(¬1) المروي عن ابن عباس في التفسير عند الطبري (5809) أقوال، في حين بلغ المروي عن ابن مسعود (856) قولا، أي: ما يقارب سدس المروي عن ابن عباس.
(¬2) العلل لأحمد (1/ 258) 373، وسنن ابن ماجة (1/ 12) 28، وجامع بيان العلم (2/ 120).
(¬3) العلل لأحمد (3/ 183) 4789، والمسند لأحمد (4/ 99).

الصفحة 462