4 - ومع هذا التقدم في العلم، وطول الملازمة، فإن حالة من الورع والزهد، والخوف من الشهرة منعته من نشر هذا العلم، وقللت من نتاجه، قيل له: ألا تغشى المسجد فتجلس وتفتي الناس؟ قال: تريدون أن يطأ الناس عقبي ويقولون: هذا علقمة (¬1)!.
وكان الشعبي يقول في وصف حال ذاك البيت الذي نشأ فيه علقمة: إن كان أهل بيت خلقوا للجنة، فهم أهل هذا البيت علقمة والأسود (¬2).
وكان من ورعه رحمه الله كراهيته للكتابة، قال له مسروق: اكتب لي النظائر، قال: أما علمت أن الكتاب يكره (¬3).
يقول مسلم بن صبيح (أبو الضحى): أتيت علقمة فسألته عن قول الله تعالى: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ} (¬4) فقال: وما تصنع بهذا؟ إنما هذا شيء من فعل الجاهلية! قال: فأتيت مسروقا فسألته، فقال: (البحيرة)، كانت الناقة إذا ولدت بطنا خمسا أو سبعا شقوا أذنها، وقالوا: هذه بحيرة، قال: (ولا سائبة)، قال:
كان الرجل يأخذ بعض ماله فيقول: هذه سائبة، قال: (ولا وصيلة)، قال: كانوا إذا ولدت الناقة الذكر أكله الذكور دون الإناث، وإذا ولدت ذكرا وأنثى في بطن قالوا:
(وصلت أخاها)، فلا يأكلونهما، قال: فإذا مات الذكر، أكله الذكور دون الإناث، قال: (ولا حام)، قال: كان البعير إذا ولد وولد ولده، قالوا: (قد قضى هذا الذي عليه) فلم ينتفعوا بظهره، قالوا: (هذا حمى) (¬5).
¬__________
(¬1) الزهد لابن المبارك (488)، والمعرفة (2/ 555)، وسنن الدارمي (1/ 132)، وتهذيب الكمال (20/ 306).
(¬2) السير (4/ 60)، ومختصر تاريخ دمشق (17/ 170).
(¬3) العلل لأحمد (1/ 216) 242.
(¬4) سورة المائدة: آية (103).
(¬5) تفسير الطبري (11/ 126) 12829.