كتاب تفسير التابعين (اسم الجزء: 1)

وعلمه كان لا يجاوز علم ابن مسعود، ولا يخرج عنه، وكان متوقيا للشهرة، قيل له:
ألا تغشى هذا المسجد، وتفتي الناس؟ فقال رحمه الله: تريدون أن يطأ الناس عقبي، ويقولون: هذا علقمة بن قيس!! (¬1).
بل كان رحمه الله مع أنه من أخص أصحاب ابن مسعود، وأشبههم به هديا ودلا أكثر علمه المروي عنه إنما أخذه منه بالسؤال، ولم يتحدث به ابتداء (¬2).
ومرّة، وهو من أكثر من روى عن ابن مسعود في التفسير، ما كان يكاد يتفرغ لنشر العلم، فقد انقطع واشتغل بالعبادة، ولهذا لم تكثر روايته.
يقول الشعبي: ما رأيت قوما قط أكثر علما، ولا أعظم حلما، ولا أكف عن الدنيا من أصحاب عبد الله (¬3).
وهذا إبراهيم النخعي الذي جاء بعد هؤلاء، قد تأثر بهم، فمع إمامته لأهل العراق في الفقه بالاتفاق لم يكن يتكلم حتى يسأل (¬4)، وكان يكره كبر الحلقة، ويخاف الشهرة، وكان عدد الحاضرين في مجلسه لا يزيد عن الخمسة (¬5)، حتى إن الإمام الذهبي صدر ترجمته بقوله: كان عجبا في الورع والتوقي من الشهرة (¬6).
وكان من أثر هذا الإقلال عند الطبقتين المتقدمة والمتوسطة من الكوفيين، أن أكثرت الطبقة المتأخرة من التابعين، ومن بعدهم في التفسير، وأفاضوا في علم التأويل، سدا لما لمسوه من حاجة الكوفة إلى علم القرآن، وتعويضا لما رأوه من نقص في مجال التفسير.
¬__________
(¬1) الزهد لابن المبارك (488)، والمعرفة (2/ 555).
(¬2) كما سبق بيانه في ترجمته.
(¬3) السير (4/ 262).
(¬4) الحلية (4/ 226)، وطبقات ابن سعد (6/ 275)، والتذكرة (1/ 74).
(¬5) العلل لأحمد (3/ 38) 4070، والإرشاد (2/ 557)، وصفة الصفوة (3/ 89).
(¬6) الكاشف (1/ 96)، والتذكرة (1/ 74).

الصفحة 495