وكان معظم مادتهم في هذا الإكثار مستقى من نبع المدرسة المكية، ومستمدا من بحر حبر الأمة رضي الله عنه.
فإن السدي حين أنكر عليه الكوفيون إكثاره من التفسير أجابهم بقوله: إن هذا التفسير أخذته عن ابن عباس، فإن كان صوابا فهو قاله، وإن كان خطأ فهو قاله (¬1).
وهذا الضحاك بن مزاحم (¬2) نجد أنه أخذ جل تفسيره عن سعيد بن جبير عن ابن عباس.
ولم يقتصر ورع الكوفيين على دراية التفسير، بل تعدى ذلك إلى الحذر حتى من روايته.
فتفسير عمر رضي الله عنه كان جله من روايات البصريين، وتفسير ابن عباس كان أكثره من رواية المكيين، وتقدم قبل قليل إيراد إنكارهم على السدي حينما رأوا إكثاره في تناول التفسير، فرد عليهم بقوله: إنه ليس من اجتهاده بل من تفسير ابن عباس.
2 - التشدد في نقل الأحاديث، والسنن:
لم يكن ما أسلفته من بيان حالهم في شدة الورع وكثرة الحذر مقتصرا على الخوف في القرآن، والتعرض له بالبيان بل كان ذلك منهجا غلب على أتباع هذه المدرسة، فشمل التشدد في نقل الروايات والأخبار الواردة عنه صلى الله عليه وسلّم، فكانت المدرسة الكوفية من أقل المدارس اعتمادا على السنن في تفسيرها لقلة الحديث فيها من جهة، وخوفهم من الوقوع في الخطأ عند نقل حديث المصطفى صلى الله عليه وسلّم من جهة أخرى، مما جعلهم يميلون إلى الاعتماد على أقوال شيخهم ابن مسعود، أو أصحابه.
¬__________
(¬1) أخبار أصبهان (1/ 204)، ومعجم الأدباء (7/ 16).
(¬2) كان من المكثرين بين مفسري أتباع التابعين في الكوفة.