أسباب قلة المروي عنهم:
ومن الأسباب الرئيسة التي قللت نتاج المدرسة المدنية في التفسير ما يلي:
1 - الورع من التعرض لتأويل القرآن:
المدنيون من أكثر التابعين إحجاما عن التفسير خشية الخطأ فيه، اقتداء بنهج كثير من الصحابة، فهذا ابن عمر رضي الله عنهما لم يكن يرضى عن منهج ابن عباس، ولم يعجبه توسعه في التفسير، حتى سمعه يفسر معنى قوله تعالى في وصف السموات والأرض: {كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا} فقال رضي الله عنه: قد كنت أقول ما يعجبني جرأة ابن عباس على تفسير القرآن، فالآن قد علمت أنه قد أوتي علما (¬1).
وكانت هذه سمة عامة لفقهاء المدينة، فكانوا يخشون من القيل في تأويل القرآن، حذرا ألا يبلغ أداء ما كلف من إصابة صواب القول فيه (¬2).
فعن عبيد الله بن عمر قال: لقد أدركت فقهاء المدينة، وإنهم ليعظمون القول في التفسير، منهم سالم بن عبد الله، والقاسم بن محمد، وسعيد بن المسيب، ونافع (¬3).
فسعيد بن المسيب الذي عدّه غير واحد من الأئمة من أعلم التابعين على الإطلاق (¬4)، وفقيه الفقهاء (¬5).
يقول فيه يزيد بن أبي يزيد: كنا نسأل سعيد بن المسيب عن الحلال والحرام، وكان
¬__________
(¬1) الحلية (1/ 320)، والخبر بتمامه قد سبقت الإشارة إليه عند الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما ص (419) والآية من سورة الأنبياء (30).
(¬2) تفسير الطبري (1/ 89).
(¬3) المرجع السابق (1/ 85) 92، والعلل لأحمد (2/ 374) 2663، ومجموع فتاوى شيخ الإسلام (13/ 374).
(¬4) تاريخ أبي زرعة (1/ 404).
(¬5) طبقات ابن سعد (5/ 121)، والسير (4/ 224).