كتاب تفسير التابعين (اسم الجزء: 1)

وفضلا عن ذلك الإحجام، فقد كان التابعون في المدينة ينكرون على من يكثر في التفسير، ولذا لما قدم عكرمة إلى المدينة، كان سعيد بن المسيب ينكر عليه كثرة تحديثه في التفسير.
فعن عمرو بن مرة قال: سأل رجل سعيد بن المسيب عن آية من القرآن؟ قال: لا تسلني عن القرآن، وسل عنه من يزعم أنه لا يخفى عليه منه شيء يعني عكرمة (¬1).
وأنكروا على زيد بن أسلم، فعن حماد بن زيد قال: قدمت المدينة، وزيد بن أسلم حي، فسألت عبيد الله بن عمر، فقلت: إن الناس يتكلمون في زيد، فقال: ما أعلم به بأسا إلا أنه يفسر القرآن برأيه (¬2)

2 - الاشتغال برواية السنن، والآثار، والسير:
كان جل اهتمام المدنيين الاشتغال بالحديث، ومدارسته رواية ودراية، ولذا فقد كانوا من أعلم الناس بالمغازي، والسنن، والآثار عنه صلى الله عليه وسلّم.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: أعلم الناس بالمغازي أهل بالمدينة، ثم أهل الشام، ثم أهل العراق فأهل المدينة أعلم بها لأنها كانت عندهم (¬3).
هذا هو الاهتمام الغالب على التابعين من أهل المدينة، تناقل الحديث ومعرفة المغازي والسير، مع علم الفقه المعتمد على الأثر، والذي يأتي بعد علم الحديث، وهذا ليس بمستغرب على مدينة عاش فيها المصطفى صلى الله عليه وسلّم وتوفي فيها ودفن بها، وبقي فيها الكثير من أصحابه رضي الله عنهم، الذين حفظوا أقواله، وأفعاله، وتقريراته، بل
¬__________
(¬1) فضائل القرآن لأبي عبيد (228)، وجامع بيان العلم (2/ 29)، وتاريخ دمشق (11/ 784)، وتهذيب الكمال (20/ 282).
(¬2) الجرح (3/ 555)، والكامل في الضعفاء (3/ 1064)، وبغية الطلب (9/ 3988)، وتهذيب تاريخ دمشق (5/ 445).
(¬3) مقدمة في أصول التفسير (60).

الصفحة 518