وصفاته الخلقية والخلقية، فكانت حلق العلم تعج بتلك السيرة العطرة، على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، ثم جاء من بعدهم الأتباع الذين تناقلوا ما ورثوه من علم الرواية والأثر، وقد أغناهم هذا المحفوظ عن كثرة الاشتغال بالرأي والاجتهاد، مع ما يضاف إلى ذلك من قلة المسائل الواردة والحادثة في المجتمع المدني البعيد عن الثقافات الوافدة، أو الفتن الحادثة، فكان التابعون فيها لا يأخذون بالرأي إلا اضطرارا، ولا يفرعون المسائل، ولا يستخرجون أحكاما لمسائل لم تقع، بل لا يفتون إلا فيما وقع.
كل هذا وغيره صرف معظم اهتمام التابعين في المدينة إلى الحديث والمغازي، وكان نصيبهم من العلوم الأخرى قليلا.
وقد كان للمكثرين من الصحابة ممن عاشوا في المدينة الأثر البالغ في توجيه التابعين، فابن عمر رضي الله عنهما كان أحسن سردا للرواية من ابن عباس، أما التفسير فكان ابن عباس أعلم به (¬1).
3 - قلة الكتابة:
لم يعتن أهل المدينة عناية كاملة بتدوين علمهم وكتابته، وقد توفي الكثير منهم ولم يدون كتابا، يقول الإمام مالك: ولقد هلك ابن المسيب ولم يترك كتابا، ولا القاسم بن محمد، ولا عروة بن الزبير، ولا ابن شهاب (¬2).
ويرجع عدم الاعتناء هذا إلى كراهية بعضهم له خشية أن يشابه صنيعهم هذا صنيع أهل الكتاب، أو أن تختلط كتبهم مع كتاب الله تعالى.
فعن عبد الله بن العلاء قال: سألت القاسم أن يملي علي أحاديث فمنعني، وقال:
¬__________
(¬1) الإرشاد (1/ 184).
(¬2) تاريخ أبي زرعة (1/ 517)، والمعرفة (1/ 478).