إن الأحاديث كثرت على عهد عمر، فناشد الناس أن يأتوا بها، فلما أتوه بها أمر بتحريقها، ثم قال: مثناة كمثناة أهل الكتاب. قال: فمنعني القاسم يومئذ أن أكتب حديثا (¬1).
وهذا عروة بن الزبير كان عنده كتب، وكان يكتب عن عائشة، ولكنه تأثر بحال الغالب من فقهاء أهل المدينة، فجمع كتبه وأحرقها (¬2).
وقد ندم عروة على ذلك وتأسف، وتمنى أن تكون عنده، وأنه لم يحرقها، وفي ذلك يقول: كنا نقول: لا نتخذ كتابا مع كتاب الله، فمحوت كتبي، فو الله لوددت أن كتبي عندي، إن كتاب الله قد استمرت مريرته (¬3).
وقال أيضا: لوددت لو أني فديتها بأهلي، ومالي (¬4).
وقد استمرت الكراهية للكتابة حتى في عهد صغار التابعين وأتباعهم.
فعن يحيى بن سعيد قال: أدركت الناس يهابون الكتب، ولو كنا نكتب يومئذ لكتبنا من علم سعيد بن المسيب ورأيه شيئا كثيرا (¬5).
أثرها:
مع قلة المروي عنها في التفسير، إلا أنها من أكثر المدارس تأثيرا في مناهج التابعين عموما، فالمدينة مثلت الحديث وروايته، وكانت عاصمة الخلافة، وبقي لها الأثر
¬__________
(¬1) طبقات ابن سعد (5/ 188). قول: مثناة كمثناة أهل الكتاب: هو كتاب وضعه أحبار بني إسرائيل بعد موسى عليه السلام فيما بينهم على ما أرادوا من غير كتاب. ينظر السير (5/ 59).
(¬2) الكفاية (205).
(¬3) الحلية (2/ 176)، واستمرت مريرته: أي قوي واستحكم. السير (4/ 436).
(¬4) طبقات ابن سعد (5/ 179)، ومختصر تاريخ دمشق (17/ 10)، والتهذيب (7/ 183).
(¬5) طبقات ابن سعد (5/ 141)، والمعرفة (1/ 649).