وقد جاء عنه جملة طيبة في التفسير، وغالبها في الفقه، والوعظ (¬1).
بين الشام والمدينة:
لقد استفاد الشام من كبار التابعين الذين نزلوا به، وبثوا علمهم فيه، وأكثرهم من علماء المدينة الكبار، مما يؤكد الأثر المدني في الشام ولا سيما أنه كان منهم خليفتان عبد الملك بن مروان الذي عده ابن ذكوان رابع أربعة فقهاء في المدينة بعد ابن المسيب، وعروة، وابن ذؤيب (¬2)، ثم الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز الذي آلت إليه الخلافة في آخر المائة الأولى، وقد نزل الشام قبله الإمام قبيصة بن ذؤيب، فقيه المدينة (¬3)، ومن كبار أصحاب زيد بن ثابت روى عنه الفرائض، وكان أعلم الناس بقضائه (¬4).
قال ابن حبان: قبيصة بن ذؤيب الخزاعي من فقهاء أهل المدينة وعبادهم، كان كثير السفر إلى الشام في تجارة وغزو، فحديثه عند أهل الشام والمدينة معا، توفي سنة ست وثمانين، وقال السيوطي عنه: المدني سكن الشام (¬5).
ثم انتقل إلى الشام أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز، وقد كان أميرا على المدينة، وكان ممن يجالس سعيد بن المسيب، ويصدر عن رأيه، وكان سعيد لا يأتي أحدا من الأمراء غير عمر، أرسل إليه عبد الملك فلم يأته، وأرسل إليه عمر فأتاه، وكان عمر
¬__________
(¬1) يراجع في ذلك تفسير الطبري، الآثار ذوات الأرقام: 3997، 4129، 4371، 4431، 4604، 4610، 4711، 4712إلخ، وينظر تفسير ابن كثير: (1/ 333)، (1/ 342)، (1/ 375)، (1/ 392)، (1/ 395)، و (1/ 397)، (1/ 436)، و (2/ 94)، (2/ 192)، (2/ 221)، (3/ 29)، (3/ 36)، (3/ 164) إلى غير ذلك من الأمثلة التي زادت في تفسير ابن كثير عن ثلاثين أثرا.
(¬2) العلل لأحمد (2/ 410)، 2836، و (2/ 594) 3820، وطبقات الفقهاء (62).
(¬3) العلل لأحمد (2/ 66) 1565، 1566، والعلل لابن المديني (49، 51، 53).
(¬4) المعرفة (1/ 354)، ومشاهير علماء الأمصار (64).
(¬5) طبقات الحفاظ (21).