كتاب تفسير التابعين (اسم الجزء: 1)

رسول الله صلى الله عليه وسلّم، واشتد خصام أهل العراق في القراءة في غزوة أرمينية سنة ثلاثين، حتى كفر بعضهم بعضا، فقد روى ابن جرير الطبري بإسناده عن زيد بن ثابت في خبر جمع القرآن أنه قال: «إن حذيفة بن اليمان قدم من غزوة كان غزاها مرج أرمينية، فلم يدخل بيته حتى أتى عثمان بن عفان فقال: يا أمير المؤمنين، أدرك الناس! فقال عثمان:
وما ذاك؟ قال: غزوت مرج أرمينية، فحضرها أهل العراق وأهل الشام، فإذا أهل الشام يقرءون بقراءة أبي بن كعب، فيأتون بما لم يسمع أهل العراق، فتكفرهم أهل العراق، وإذا أهل العراق يقرءون بقراءة ابن مسعود، فيأتون بما لم يسمع أهل الشام، فتكفرهم أهل الشام».
ولم يقتصر الاختلاف في القراءة في غزوة أرمينية على أهل العراق وأهل الشام، فقد كان أهل كل جند أو مصر منهم يعتقدون أن قراءتهم أصح القراءات وأعلاها، ادعى ذلك أهل حمص، ونافسهم فيه أهل دمشق، وادعاه أيضا أهل الكوفة، ونافسهم فيه أهل البصرة، قال ابن الأثير في ذكر غزو حذيفة وأمر المصاحف: «فيها صرف حذيفة عن غزو الري إلى غزو الباب مددا لعبد الرحمن بن ربيعة، وخرج معه سعيد بن العاص، فبلغ معه أذربيجان، وكانوا يجعلون الناس ردءا، فأقام حتى عاد حذيفة ثم رجعا. فلما عاد حذيفة قال لسعيد بن العاص: لقد رأيت في سفرتي هذه أمرا لئن ترك الناس ليختلفن في القرآن، ثم لا يقومون عليه أبدا، قال: وما ذاك؟ قال: رأيت أناسا من أهل حمص يزعمون أن قراءتهم خير من قراءة غيرهم، وأنهم أخذوا القرآن عن المقداد. ورأيت أهل دمشق يقولون: إن قراءتهم خير من قراءة غيرهم، ورأيت أهل الكوفة يقولون مثل ذلك، وأنهم قرءوا على ابن مسعود، ورأيت أهل البصرة يقولون مثل ذلك، وأنهم قرءوا على أبي موسى، ويسمون مصحفه لباب القلوب» (¬1).
¬__________
(¬1) تفسير الطبري (1/ 62)، والكامل في التاريخ (3/ 111).

الصفحة 533