وظل أهل دمشق وأهل حمص يختلفون في القراءة، ويتنافسون فيها بعد أن جمع عثمان بن عفان الناس على مصحف واحد، كل منهم يتمسك بقراءته ويصوّبها، ولا يحيد عنها (¬1).
ولكن هذا التنافس لم يصل بالطبع إلى درجة التكفير التي كانت قبل أن يجمعهم عثمان رضي الله عنه على مصحف واحد، إلا أنه بقي في أهل الشام نفرة من العراق، ولا سيما الكوفة بسبب اعتماد الكوفيين على الرأي والقياس أكثر من اعتمادهم على الأثر والرواية، ونظرا للمنهج الأثري المدني الذي ساد بالشام، لذا نفر بعض الأئمة الشاميين من أهل العراق، باستثناء الأثريين من الكوفيين كالشعبي (¬2).
بل قد وجدت عبارات للأوزاعي فيها نكير شديد على أهل القياس والرأي من معاصريه (¬3).
قال الأوزاعي موضحا المنهج الشامي: كانت الخلفاء بالشام، فإذا كانت بلية سألوا عنها علماء أهل الشام، وأهل المدينة، وكانت أحاديث أهل العراق لا تجاوز جدار بيوتهم، فمتى كان علماء أهل الشام يحملون عن خوارج أهل العراق (¬4).
وفي المقابل حصل شيء من تأثر الشام بالبصرة، ويرجع ذلك إلى أسباب لعل من أبرزها أثرية أئمة البصرة.
¬__________
(¬1) القراءات في بلاد الشام (82، 88).
(¬2) كان مكحول يقول: عامة ما أحدثكم من علم الشعبي، وسعيد بن المسيب، ينظر العلل لأحمد (2/ 449) 2995، (3/ 81) 4272.
وكان الشعبي ينعي على أهل الرأي تركهم السنن، يراجع ص (320) في ترجمة الشعبي.
(¬3) من ذلك كلامه عن أبي حنيفة، ينظر العلل لأحمد (2/ 546) 389، وكتاب السنة (1/ 187)، وتاريخ بغداد (13/ 389)، وكتاب المجروحين لابن حبان (3/ 64)، وتاريخ أبي زرعة (1/ 256)، وتاريخ بغداد (13/ 384).
(¬4) المعرفة (2/ 757)، وتاريخ دمشق (1/ 70).