ومن جهة أخرى اكتفى كثير من أهل العلم بالشام عن العراق، قال ابن المبارك: ما رحلت إلى الشام إلا لأستغني عن حديث أهل الكوفة (¬1).
وفي الجملة كان التفسير في الشام صورة من المنهج المدني، أصولا وفكرا واتجاها، لذا مع قلة نتاجه لم أدرسه كمدرسة مستقلة لها تميزها في التفسير، والله تعالى أعلم.
ثانيا: التفسير في اليمن:
لم يلق التفسير في اليمن من الاهتمام ما لقيه في غيرها من بلاد الإسلام في الحجاز، والعراق، ولم ينشط أهل اليمن في علوم التفسير، إلا في عصر أتباع التابعين، وذلك يرجع إلى أسباب، لعل من أهمها: نزول عدد قليل من الصحابة بها (¬2)، ولذا فهي من أقل المدارس تابعا (¬3). إلا أنه قد نزلها بعض كبار التابعين مما نشّط الحركة العلمية فيها قليلا، ومن هؤلاء.
طاوس بن كيسان، أبو عبد الرحمن الفارسي (¬4).
سمع طاوس من عدة من الصحابة، وتحمل عنهم، فسمع من زيد بن ثابت، وعائشة، وأبي هريرة، وزيد بن أرقم، وأكثر سماعه كان من ابن عباس، وكان طاوس معدودا في كبراء أصحابه (¬5)، وهو يعد من أصحابه الستة (¬6)، وكان ابن عباس يدخله
¬__________
(¬1) المعرفة (2/ 757).
(¬2) ذكر ابن حبان من مشاهير الصحابة في اليمن (16) صحابيا فقط، في حين بلغ من عدهم من مشاهير الصحابة بالمدينة (152) صحابيا، وبالبصرة (55) صحابيا، وبالكوفة مثل ذلك، وبالشام عدّ (22) صحابيا، ومثلهم بمصر
(¬3) عدّ ابن حبان من مشاهير المدنيين (169) تابعيا، ومن مشاهير الكوفيين (117)، ومن مشاهير البصريين (91)، ومن مشاهير الشاميين (72)، ومن مشاهير المصريين (32)، ومن مشاهير اليمنيين (27) تابعيا فقط.
(¬4) طبقات ابن سعد (5/ 537)، وتاريخ خليفة (236)، والتاريخ الصغير (1/ 252).
(¬5) السير (4/ 39)، وطبقات فقهاء اليمن (56)، وطبقات علماء الحديث (1/ 159).
(¬6) أي مع مجاهد، وعكرمة، وعطاء، وابن جبير، وجابر بن زيد.