ومن هنا كان أثر المدرسة البصرية ثم المدنية أكبر من أثر المكية في اليمن، أما المدرسة الكوفية، فلم أر لها أثرا على اتجاه التفسير في اليمن، والله تعالى أعلم.
التفسير في مصر:
فتحت مصر في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب، على يد عمرو بن العاص رضي الله عنه، وكان في جيش الفاتحين الكثير من الصحابة، إلا أننا يمكن أن نعد عقبة ابن عامر رضي الله عنه هو أكثر الصحابة تأثيرا في مصر في جانب التفسير وغيره، فلقد دخل مصر، ومعه مصحفه الذي صار إماما للناس يرجعون إليه (¬1).
وأحب أهل مصر عقبة، ورووا عنه، ولازموه، حتى قال سعد بن إبراهيم: كان أهل مصر يحدثون عن عقبة بن عامر، كما يحدث أهل الكوفة عن عبد الله (¬2).
ولئن كان ابن مسعود قد نشر الورع والهيبة من التفسير في نفوس تلاميذه الكوفيين، فبالمقابل نجد أهل مصر قد ورثوا عن عقبة هيبة التفسير، والورع من الخوض فيه، فها هو يزيد بن أبي حبيب يروي عن أبي الخير مرثد بن عبد الله اليزني، عن عقبة بن عامر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول: «هلاك أمتي في الكتاب، واللبن، قالوا: يا رسول الله، ما الكتاب واللبن؟ قال: يتعلمون فيتأولون على غير ما أنزله الله عز وجل، ويحبون اللبن ويدعون الجمع، والجماعات» (¬3).
لقد تأثر عقبة ومن بعده المصريون بهذا الحديث، وتورعوا عن التفسير، بل غلب عليهم الورع في شتى شئونهم، حتى قال يحيى بن سعيد الأنصاري المدني (وهو من
¬__________
(¬1) القرآن وعلومه في مصر (14).
(¬2) العلل لأحمد (2/ 442) 2958.
(¬3) العلل لأحمد (3/ 452) 5918، واللبن جمع لبنة، والمراد الانشغال بالبناء، وصحح إسناده محقق الكتاب د. وصي الله عباس.