وثمة أمر آخر، وهو أن ابن عباس رضي الله عنه أكثر من التفسير في حين أن شيوخ المدارس الأخرى كانوا يتحاشونه في الجملة ولم يفسحوا المجال لتلاميذهم للانطلاق، فقلّ المروي عنهم في ذلك، أما المكيون وخصوصا مجاهدا، وعكرمة، وسعيد بن جبير، فقد انطلقوا يقيسون ما لم يسمعوا على ما سمعوه، بل وفتح ابن عباس لهم باب الحوار والنقاش، بعد أن اطمأن إلى تحصيلهم وأهليتهم، فجعلوا يراجعونه ويعارضونه مما شجعهم على التوسع في مجال الاجتهاد.
لقد كان ابن عباس، نعم المربي رضي الله عنه فلقد كان ذا شخصية فريدة في زمانه، قال يوما لأصحابه: أتدرون ما ذهاب العلم من الأرض؟، قلنا: لا، قال: أن يذهب العلماء (¬1).
فلا غرو إذا أن يكون لهذا التوسع في الاجتهاد في المدرسة المكية، وبعدها البصرية، الأثر البالغ على مدارسهم، فقد سد هذا التوسع كثيرا من الحاجة الملحة في طبقة التابعين في تينك المدرستين، ولذا نجد أن أتباع التابعين في مكة والبصرة اقتصر دورهم على الرواية، والنقل، إذ لم يدع لهم شيوخهم بابا للاجتهاد إلا وسبقوهم إليه.
أما المدارس التي تورعت فقد كان لهذا الإحجام على الاجتهاد أثره في طبقة صغار التابعين، وتابعيهم، إذ توسعوا وكثرت أقوالهم تبعا لكثرة الحاجة لمعرفة وبيان معاني كثير من الآيات، فتوسع السدي، وبعده الضحاك في الكوفة، ومثلهم عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في المدينة وغيرهم.
ولقد ظهرت قوة اجتهاد واستنباطات مدرسة التابعين المكية في نواح كثيرة منها:
¬__________
(¬1) العلم لأبي خيثمة (121).