وهنا نلحظ الدقة لأن المأزم هو الطريق بين جبلين، وقد يكون واديا أو جرفا أو غير ذلك، فبين رحمه الله أن الصدع هو ما كان كذلك ولم يكن واديا ولا جرفا (¬1).
وعند قوله سبحانه: {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} (¬2).
قال مجاهد: (فأتوهن من حيث أمركم الله)، أمروا أن يأتوهن من حيث نهوا عنه (¬3).
2 - معالجة مشكل القرآن:
تميزت المدرسة المكية بدخولها في مجال المشكل، والمشكل علم صعب المنال، بعيد الغور، لا يلج بحره إلا العلماء الأفذاذ، ومع كثرة علوم التابعين وغزارتها، إلا أنهم لإحجامهم عن التوسع في الاستنباط اقتصروا على تفسير اللفظ، وبيان المعنى العام، أما المكيون فلخوضهم غمار الاستنباط والاجتهاد تعرضوا لذلك، وأكثروا (¬4).
فنجد مثلا مجاهدا يوجه الإشكال الذي عرض لقوله تعالى: {هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ}، بأنه أمرهم أن يتزوجوا النساء ولم يعرض عليهن سفاحا (¬5).
وعند قوله سبحانه: {قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} (¬6)، قال أيضا:
منافعهما قبل أن يحرما (¬7).
¬__________
(¬1) وقد سبق ذكر العديد من الأمثلة في ترجمة مجاهد ص (97، 122).
(¬2) سورة البقرة: آية (222).
(¬3) تفسير الطبري (4/ 389) 4282.
(¬4) في كتاب تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة ورد أكثر من (20) أثرا عن مجاهد، في حين كان نصيب الحسن (4) آثار، وأما قتادة، وابن جبير فلم يرد عنهما إلا أثران. وعموما فإن المكيين من أكثر التابعين تعرضا لمشكل الآيات.
(¬5) تفسير الطبري (15/ 414) 18376.
(¬6) سورة البقرة: آية (289).
(¬7) تفسير الطبري (4/ 328) 4136.