كتاب تفسير التابعين (اسم الجزء: 1)

الجغرافي لمكة ملتقى الشرق بالغرب ما يجعلهم يسمعوا العديد من لغات الناس، ويتعلموا عنهم تلك الكلمات فحملهم هذا على تفسير (المعرب) من القرآن (¬1).
ولقد بلغت في هذا شأوا بعيدا لم تبلغه مدرسة أخرى، وقد اهتموا أيضا ببيان المبهمات الواردة في القرآن وتفسيرها، وقد يكون في ذلك نوع من التكلف أحيانا، لعدم ثبوت الرواية فيها، وقد تكون من الإسرائيليات، إلا أنه يبقى لهم السبق في هذا الاستيعاب الذي شمل غالب القرآن (¬2).
فكثرة المروي عنهم بالنسبة لغيرهم في الأشباه والنظائر (الكليات) والغريب، والمعرب، والمبهمات، وغيرها، دليل واضح على تفرغهم للتفسير، والتخصص فيه، حيث تعرضوا، وأكثروا في هذه العلوم والفنون، وكدوا فيها الفهوم، لمعرفة أشرف معلوم.

الخصيصة الثالثة: قلة اهتمام أصحابها بالعلوم الأخرى مقارنة بالتفسير:
إن هذه الخصيصة تكاد تعتبر نتيجة لخصيصة التخصص، وإنما أفردتها بالذكر لتتضح لنا صورة المدرسة المكية من جميع جوانبها.
فلقد كان أئمة هذه المدرسة تميزوا بالسبق في علم التفسير، وخاصة مجاهد، وعكرمة، ثم ابن جبير، بل إن عطاء الذي نقلت عنه فتاوى فقهية دقيقة، كان جل علمه الفقهي في الحلال والحرام مختصا بمسائل الحج، فهو لم يخرج من حيز التخصص، فقد كان المكيون أكثر الناس تعرضا لآيات الحج، مما أكسبهم فقها دقيقا في
¬__________
(¬1) بعد مراجعة كتاب المهذب في بيان المعرب للسيوطي، وجدت المروي عن ابن عباس (55) رواية، وعن عكرمة (24) رواية، وعن سعيد (22) رواية، وغيرهم دونهم في ذلك.
(¬2) بعد تتبع المروي في كتاب مفحمات الأقران في مبهمات القرآن للسيوطي، نجد أن المنسوب لأعلام المدرسة المكية في ذلك (مجاهد، وعكرمة، وابن جبير) هو (136) قولا، في حين جاءت المدرسة البصرية في المرتبة الثانية حيث نسب للحسن وقتادة (90) قولا فقط.

الصفحة 557