من معين العربية الأصيل، ألا وهم الأعراب الذين كانوا يفدون على البصرة من الجزيرة للتجارة وغيرها، فصارت منتديات البصرة الفكرية مرتعا واسعا للتباري في اللغة.
يقول الرياشي البصري وهو يصف الفرق بين المنبع البصري في اللغة والمنبع الكوفي: نحن نأخذ اللغة عن حرشة الضباب، وأكلة اليرابيع، وهؤلاء يأخذون اللغة عن أهل السواء أصحاب الكواميخ، وأكلة الشواريز (¬1).
يقول اليزيدي البصري وهو يلمز أهل الكوفة.
كنا نقيس النحو فيما مضى ... على لسان العرب الأول
فجاء أقوام يقيسونه ... على لغى أشياخ قطربل
فكلهم يعمل في نقض ما ... به يصاب الحق لا يأتلي
إن الكسائي وأصحابه ... يرقون في النحو إلى أسفل (¬2)
د وثمة عامل آخر مهد الطريق أمام البصرة للزيادة اللغوية والتقدم في الخصائص التي تعنى بهذا الجانب، ألا وهو الاستقرار السياسي والاجتماعي الذي أضفى ظلالا على أهل البصرة، فزاد نتاجهم، وغزرت مادتهم.
فقد صار ما يشبه الاندماج بين العناصر المختلفة، عربية وغير عربية، وتلاشى الكثير من الفوارق بين الطبقات، ولم تحفل بالثورات السياسية، التي كانت تعج بها الكوفة (¬3).
¬__________
(¬1) الكواميخ جمع كامخ: نوع من الأدم، معرب. ينظر اللسان (3/ 49)، والشواريز جمع شيز، والشيز خشب أسود تتخذ منه الأمشاط وغيرها، الشيزي: شجر تعمل منه القصاع والجفان.
ينظر اللسان (5/ 363).
(¬2) انظر مقالة بيئة البصرة (87).
(¬3) مدرسة الكوفة ومنهجها في دراسة اللغة (14).