كتاب تفسير التابعين (اسم الجزء: 1)

ولا غرو حينئذ أن نجد الحسن البصري قد نشأ، وعاصر أحداث الفتن والثورات منذ مقتل عثمان، ثم لم تتلطخ يده ولا لسانه بشيء من ذلك، بل كان ينهى عن الدخول في الفتن، مما جعل أمر الناس مستقرا، فانصرفوا للعلوم.
ومن هنا نجد أن هذه الحقيقة قد ساعدت في تقدم البصريين في علوم شتى، ومنها اللغة، والتفسير (¬1).
وبهذه الأسباب وغيرها، ظهرت البصرة منارة في أفق علوم اللغة تشع على سائر الأقطار نور العلم والهداية، وقد قامت البصرة بعبء هذا العلم من نشأته حتى استوى على سوقه، ومرّ زمن طويل قبل أن تشارك الكوفة فيه، وهي إنما أخذته من البصرة (¬2).
ومهما يكن من شيء فقد سبق العراق سائر أقطار الإسلام، وسبقت البصرة خاصة سائر أمصار العراق في وضع النحو، وذهبت بفخر ذلك، وكان لها السبق والتقدم، وكان لعلمائها الفضل في ابتداء النحو وتبويبه، ووضع قواعده، وتفريع فروعه.
ولا يخفى أن أول من وضع العربية من العلماء هو أبو الأسود الدؤلي البصري، الذي صار علما على العربية، وما زال الناس يلهجون بالثناء عليه، ومن ثم نبغ في البصرة بعده كثير من علماء اللغة، فبرز من الموالي بها: عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي الذي قيل فيه: إنه أول من علم النحو ومد القياس. وتتلمذ عليه عيسى بن عمرو الثقفي شيخ الخليل بن أحمد الفراهيدي مؤسس علم العروض، ثم أخذ عن الخليل سيبويه، وعنه روى جل ما أودعه في الكتاب (¬3).
¬__________
(¬1) سبق تفصيل ذلك في مبحث المدرسة البصرية، في أسباب كثرة المروي عنها ص (451).
(¬2) فهرست ابن النديم ص (96).
(¬3) ينظر مقالة بيئة البصرة، في مجلة الأزهر ص (83).

الصفحة 563