الخصيصة الثانية: الجانب الوعظي في التفسير:
ومما تميزت به هذه المدرسة أيضا، اعتماد أئمتها على الجانب الوعظي في التفسير، وصوغهم عبارات التفسير في قوالب الحكمة والعظة، وصونهم كلامهم عن العبارات الجافة التي لا تؤثر في المخاطب، ولا تهز المشاعر، وتعتبر مدرسة البصرة رائدة المدارس الوعظية التي جمعت بين العلم، وصحة الحديث من جانب، وبين الأساليب الراقية التي تؤثر في الوجدان، وتهيج النفوس، وتشوق الأرواح من جانب آخر، وهذا ما نجده في تفسير الحسن، كما هو في تفسير قتادة.
وللباحث أن يلحظ عدة أسباب، يمكن أن نعتبرها المحور الأساس الذي أثر في اتجاه هذه المدرسة.
فمن ذلك ما عرفت به البصرة آنذاك من الانفتاح التجاري على المشرق، وما أدى إليه ذلك من مظاهر الترف، فصار لزاما على العلماء والشيوخ أن يدرءوا هذا الخطر الداهم بتزهيد الناس في الدنيا، وبيان حقيقتها، وأنها معبر للآخرة، ليست بدار إقامة.
وهذا يكاد يكون أمرا مطردا في كثير من البلدان التي يتسلل إليها روح التنعم، والدعة.
وقد يرد على هذا أن أهل مكة لا يظهر هذا واضحا في مناهجهم العلمية، سواء كانت تفسيرا أو غير ذلك، إلا أنه يمكن القول بأن أهل مكة لم يصلوا في ترفهم ما وصل إليه أهل البصرة، ومن جانب آخر فإن المناخ الجغرافي والحرارة الشديدة في مكة لم تكن تدع النعيم يصفو لأهلها، وعلى كل فالمنهج أغلبي في الجملة.