كتاب تفسير التابعين (اسم الجزء: 1)

سماع الموعظة حتى تشرب بها، ولما فتح الله عليه بالعلم أثر فيه هذا الجانب حتى صاغ جل أساليبه، ودفع بها في هذا المضمار.
ومن الأسباب كذلك تمكن أصحاب هذه المدرسة من اللغة، مما جعلهم يتأنقون في تدبيج عباراتهم، وتخير الكلمات المعبرة، والتفنن في الألفاظ الفصيحة المؤثرة، فجاءت حكمهم ومواعظهم كالماء الزلال، بل هي السحر الحلال، فلم تقف عند الآذان، بل ولجت القلوب بدون استئذان.
هذه الأسباب وغيرها هي التي دفعت بهذه المدرسة إلى الجانب الوعظي، فصار تفسيرها تغلب عليه هذه الصفة، ودخل فيه أسلوب القص كذلك، وتوسعت فيه توسعا ملحوظا، فلم يقاربها في ذلك أحد، ومع أن المكيين قد كان المروي عنهم في التفسير كثيرا، إلا أن المروي عنهم في آيات الوعظ ليس كثيرا، ثم إن منهجهم في صوغ عباراتهم لم يكن يضاهي منهج الوعظ عند المدرسة البصرية، بل غلب على عباراتهم البيان الموجز في عبارة علمية معرفية أكثر منها جمالية عاطفية.
ومن أمثلة ذلك ما ورد عن مجاهد في تفسير قوله تعالى: {وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهاً} (¬1)
قال: وأتوا به متشابها لونه مختلفا طعمه، مثل الخيار من القثاء (¬2). في حين أنه لما تناول الحسن هذه الآية بالتفسير قال فيها: ألم تروا إلى ثمار الدنيا كيف ترذلون بعضه؟ وإن ذلك ليس فيه رذل (¬3).
ومن ذلك ما جاء عن مجاهد في تفسير قوله سبحانه: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي}
¬__________
(¬1) سورة البقرة: آية (25).
(¬2) تفسير الطبري (1/ 390) 526، تفسير عبد الرزاق (1/ 41)، وزاد المسير (1/ 53)، وأورده السيوطي في الدر، وعزاه إلى وكيع، وعبد الرزاق، وعبد بن حميد، عن مجاهد به (1/ 96)، وفتح القدير (1/ 55).
(¬3) تفسير الطبري (1/ 389) 520، وتفسير عبد الرزاق (1/ 40)، وزاد المسير (1/ 53)، وأورده السيوطي في الدر وعزاه إلى عبد بن حميد، وابن جرير، عن الحسن به (1/ 96).

الصفحة 568