يعترف بأنه وضع الأحاديث حسبة زعموا فقيل لأبي عصمة نوح بن أبي مريم: من أين لك ذلك عن عكرمة عن ابن عباس في فضائل القرآن سورة سورة، وليس عند أصحاب عكرمة هذا؟ فقال: إني رأيت الناس قد أعرضوا عن القرآن واشتغلوا بفقه أبي حنيفة ومغازي ابن إسحاق، فوضعت هذا الحديث حسبة (¬1).
ومن هنا ندرك أسباب انصراف السلف عن القصص والقصاصين، بل والتحذير منهم، ومع ذلك فإننا نجد المدرسة البصرية توسعت فيه، ولم تر فيه غضاضة، لما فيه من السرد المعبر والوعظ المؤثر، فها هو الحسن يجيزه فيقول: القصص بدعة، ونعمت البدعة، كم من دعاء يستجاب، وأخ مستفاد (¬2).
وكان الحسن يجلس في مجلس القصاص بكل إجلال. قال الأوزاعي: كان الحسن إذا قص القاص لم يتكلم، فقيل له في ذلك فقال: إجلالا لذكر الله (¬3).
ولم يغلب الجانب القصصي على العامة من أهل البصرة فحسب، بل غلب على شيوخ المدرسة نفسها، فكان الحسن يقص حتى في مواقع العبادة، واحتياج الناس فيها إلى الذكر، فإنه لما حج ودخل الحرم، جعل يقص في موسم الحج، فمرّ به علي بن الحسين رضي الله عنه فقال له: يا شيخ أترضى نفسك للموت؟ قال: لا، قال: فلله في أرضه معاد غير هذا البيت؟ قال: لا، قال: فثم دار العمل غير هذه الدار؟ قال: لا، قال: فعملك للحساب؟ قال: لا، قال: فلم تشغل الناس عن طواف البيت؟ قال: فما قصّ الحسن بعدها (¬4).
ولم يختلف منهج قتادة عن الحسن كثيرا في ذلك، فقد اقتفى سبيل شيخه، واتخذ
¬__________
(¬1) تدريب الراوي (1/ 282، 283).
(¬2) كتاب القصاص (1/ 85)، والآداب الشرعية (2/ 92).
(¬3) المرجعين السابقين.
(¬4) وفيات الأعيان (2/ 70).