كتاب تفسير التابعين (اسم الجزء: 1)

وقال قتادة: فالمنافق إذا رأى في الإسلام رخاء أو طمأنينة، أو سلوة من عيش قال: أنا معكم وأنا معكم، وإذا أصابته شديدة حقحق والله عندها، فانقطع به، فلم يصبر على بلائها، ولم يحسب أجرها، ولم يرج عاقبتها (¬1).
ومن ذلك أيضا ما جاء في بيان المثل الذي ضربه جل ثناؤه في قوله: {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رَابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ} (¬2).
قال مجاهد في بيان المثل: {فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا}، قال: بملئها، {فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رَابِياً}، قال: الزبد: السيل، {ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ} قال: خبث الحديد والحلية إلخ ما قال (¬3) رحمه الله في بيان مفردات المثل.
بينما نجد قتادة يتوسع في بيان المثل وشرحه فيقول: هذه ثلاثة أمثال ضربها الله في مثل واحد، يقول: كما اضمحل هذا الزبد فصار جفاء لا ينتفع به، ولا ترجى بركته، كذلك يضمحل الباطل عن أهله، كما اضمحل هذا الزبد، وكما مكث هذا الماء في الأرض، فأمرعت هذه الأرض، وأخرجت نباتها، كذلك يبقى الحق لأهله كما بقي هذا الماء في الأرض، فأخرج الله به ما أخرج من النبات، وقوله: {وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ}، الآية، كما يبقى خالص الذهب والفضة حين أدخل النار، وذهب خبثه، كذلك يبقى الحق لأهل، وقوله: {أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ}.
يقول: هذا إلى الحديد والصفر الذي ينتفع به فيه منافع، يقول: كما يبقى خالص
¬__________
(¬1) تفسير الطبري (1/ 350) 458، وأورده السيوطي في الدر، وعزاه إلى عبد بن حميد، وابن جرير، عن قتادة بلفظ مقارب (1/ 83).
(¬2) سورة الرعد: آية (17).
(¬3) تفسير الطبري (16/ 412) 20318، وأورده السيوطي في الدر، وعزاه إلى أبي عبيد، وابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن مجاهد بنحوه (4/ 634).

الصفحة 573